ولا دليل على القول بالمنع مطلقاً أو في الجملة بعد شمول العمومات (١) من قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ). وكونها على خلاف الأصل (٢) فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم (٣) ممنوع بعد شمولها (٤).
______________________________________________________
نعم ، لو كان الشك في صحة المساقاة من أساسها ، لكان إثباتها محتاجاً إلى الدليل الخاص ، لعدم وفاء العمومات والإطلاقات بها ، لما عرفته مراراً من عدم شمولها لما يتضمن تمليك المعدوم.
إلّا أنّ المقام ليس من هذا القبيل. فإنّ صحة العقد ثابتة وحق العامل في البستان أمر لا يقبل الإنكار ، فلم يبق إلّا نقل هذا الحقّ كلّاً أو بعضاً إلى الغير ، وإثباته لا يحتاج إلى الدليل الخاص.
والحاصل أنّ أصل ثبوت الحق للعامل يحتاج إلى الدليل الخاص ، حيث لا يمكن إثباته بالعمومات والإطلاقات. وأما بعد ثبوته ، فجواز نقله إلى الغير يكون على القاعدة ، ولا يحتاج إلى الدليل الخاص.
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرناه ، هو الالتزام بجواز تسليم الأُصول إلى العامل الثاني مطلقاً أيضاً ، ومن غير توقف على إذن المالك في ذلك ، على ما تقدم بيانه في باب الإجارة والمزارعة أيضاً. فإنه لما لم تكن المباشرة شرطاً في المساقاة ، وكان يجوز للعامل الأوّل أن يشرك غيره في العمل والتصرّف ، جاز له تسليم الأرض إلى غيره أيضاً ، ويكون ذلك مقتضى إطلاق العقد.
(١) في شمولها لمثل المقام ما لا يخفى.
(٢) لاشتمالها لتمليك المعدوم ، وهو غير جائز.
(٣) وهو ما إذا كان المالك هو طرف المعاملة مع العامل.
(٤) بل لما تقدّم ، من أنّ المقام من نقل الحقّ الثابت للعامل ، لا من إثبات الحقّ له كي يحتاج إلى الدليل الخاص.
ثمّ إنّ من دليل البطلان هذا يظهر عدم تمامية التفصيل بين صورتي إذن المالك في ذلك وعدمه ، إذ لا أثر لإذن المالك في المعاملة التي لم يقم دليل على صحتها.