وإن قلنا أنه لا تشتغل ذمّته إلّا بالأداء وحينه ، كما هو ظاهر المشهور (١) فيشكل صحّته وفاءً ، لأنّ المفروض عدم اشتغال ذمّته بعد ، فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد (٢). وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلّا بإذن جديد ، أو العلم ببقاء الرضا به (٣).
______________________________________________________
(١) وتقتضيه القواعد ، على ما عرفت.
(٢) كما هو الحال فيما لو دفع إلى غيره مالاً بتوهم كونه مديناً له ، فإنه لا يعدّ وفاءً لعدم مصادفته لاشتغال الذمّة ، بل يبقى المال على ملك مالكه الأوّل الدافع ويكون في يد الثاني من قبيل المقبوض بالعقد الفاسد ، فيكون تصرّفه فيه موجباً للضمان ، نظراً لكونه تصرّفاً في مال الغير بغير حقّ ، كما هو الحال في سائر موارد المقبوض بالعقد الفاسد.
(٣) ظاهر تقييده (قدس سره) للحكم بالعلم ببقاء الرضا به ، عدم كفاية الاستصحاب في مورد الشكّ. وهو الصحيح ، إذ لا مجرى للاستصحاب في المقام ، لتبدّل الموضوع. فإنّ ما كان متيقّناً في السابق ، الإذن في احتسابه في ذلك الوقت ، لا أثر له بالفعل لفوات ظرفه. وما له أثر بالفعل ، الإذن في الاحتساب بعد الأداء ، لم يكن ثابتاً في زمان كي يستصحب إلى حالة الشكّ.
فهو نظير إذن زيد لعمرو في سكنى دار لم يكن يملكه حين الإجازة ثمّ ملكه ، فإنه لا مجال للقول بكفايته لسكناه بالفعل لاستصحاب بقائه. فإنّ ما كان ثابتاً في السابق لا أثر له بالمرّة لكونه في غير محله ، وما ينفع بالفعل لم يكن ثابتاً في زمان كي يستصحب بقاؤه.
وبعبارة اخرى : إنّ الأعراض والأفعال تختلف عن الجوهر في تعددها وتغايرها بحسب الأزمنة. فالقيام في هذا اليوم والقيام في اليوم السابق فردان من القيام مختلفان بخلاف وجود زيد في هذا اليوم ووجوده في اليوم السابق ، فإنهما ليسا بوجودين مختلفين ، وإنما هما وجود واحد لشخص واحد.
ومن هنا فلا مجال لإجراء الاستصحاب في الأوّل ، وإثبات الفعل الثابت في الزمان