وفيه : أنّ الرواية ـ بحسب الظاهر ـ مسوقة لبيان معرّف تقريبيّ لمعرفة انتصاف الليل باستنباطه من سير الكواكب وميلها إلى الأفول ، وإلّا فلا يستقيم هذا التعريف ، سواء قلنا بأنّ الليل إلى طلوع الشمس أم إلى طلوع الفجر ، لا لمجرّد ما قيل من أنّ النجوم لا تستبين عند الغروب ، فالمراد بها النجوم التي تتبيّن في ناحية المشرق أوائل الليل وتنحدر في أواسطه ، بل لاختلاف مطالع الكواكب.
فما ذكر في تقريب الاستدلال إنّما يستقيم بالنسبة إلى كوكب طلع أوّل الليل من مشرق الشمس في نهاره ، فيكون غروبه مقارنا لطلوع الشمس في غده تقريبا.
وأمّا إذا طلع من مطلع آخر فيختلف اختلافا فاحشا ؛ فإنّه ربما يغيب قبل نصف الليل إذا كان قريبا من القطب الجنوبي ، وربما لا يتعدّي عن دائرة نصف النهار إلى قريب طلوع الفجر إذا كان عكسه. وحمل النجوم على إرادة خصوص الكوكب المفروض طلوعه أوّل المغرب من مشرق الشمس في ذلك اليوم بالخصوص كما ترى. فليس المقصود بالرواية إلّا الإرشاد إلى طريق معرفة انتصاف الليل على سبيل التقريب.
وكيف كان فهذه أخبار متشابهة لا يجوز رفع اليد بواسطتها عن المحكمات ، وقد أشرنا إلى أنّه لا إجمال في مفهوم الليل ، ولا خفاء في عدم صدقه على ما بعد الصبح الصادق لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، فلا يجوز التشكيك في ذلك بمثل هذه الأخبار ولو على تقدير تسليم ظهورها في المدّعى ، فإن أمكن توجيهها على وجه لا ينافي ذلك فهو ، وإلّا وجب ردّ علمها إلى أهله.
فظهر بما ذكرنا أنّ انتصاف الليل ـ الذي هو آخر وقت صلاة العشاء وأوّل وقت صلاة الليل ـ هو المنتصف بين المغرب وبين طلوع الفجر ، لا بين غيبوبة