والحاصل أنّ هذه الروايات من أقوى الشواهد على جواز التأخير إلى الوقت الثاني اختيارا فيما عدا المغرب التي لم يأت لها إلّا بوقت واحد.
ويؤكّد دلالتها على المدّعى ما في خبر ذريح بعد بيان الأوقات : «وأوّل الوقت أفضله» (١) كما لا يخفى.
ويدلّ على جواز تأخير الظهرين والعشاءين إلى آخر أوقاتها اختيارا : قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٢) فإنّه بعد أنّ علم أنّه لم يقصد بالآية الشريفة وجوب الاشتغال بالصلاة في مجموع المدّة وإنّما سيقت لإيجاب صلوات خاصّة في طول هذه المدّة ، فلا يتبادر منها إلّا إرادة تلك الصلوات في هذه المدّة على سبيل التوسعة ، ولكن ثبت بدليل خارجيّ تقييد الاوليين بكونهما قبل الغروب ، والاخريين بما بعده ، فيرفع اليد عن ظاهر الآية بمقدار دلالة الدليل.
فما في الحدائق ـ وفاقا لما حكاه عن شيخنا البهائي ـ من الخدشة في دلالة الآية : بأنّها لا تدلّ إلّا على كون مجموع هذه المدّة وقتا للصلوات في الجملة ، ولا ينافي ذلك كون آخر أوقات الصلوات أوقاتا اضطراريّة (٣) ، ضعيف ؛ فإنّ الآية ـ بحسب الظاهر ـ إمّا منزلة بعد شرعيّة الصلوات اليوميّة ونزول جبرئيل بها في أوقاتها الخمسة ، فاريد بالآية التوسعة في أوقات الصلوات المعهودة بجعل وقتها من دلوك الشمس إلى غسق الليل ، المفسّر في الأخبار المستفيضة بنصفه ، أو أنّها
__________________
(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (٣).
(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.
(٣) الحدائق الناضرة ٦ : ١١٣ ـ ١١٤ ، الحبل المتين : ١٣٥.