فهّلا اجتاح الخليفة جرثومة تلكم القلاقل بقتله؟ وهل كان تجهّمه وغلظته قصراً على الأبرار من اُمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ففعل بهم ما فعل (١).
وهناك لفيف من الكتّاب ممّن حضر أو غبر ، بدل أن يفتحوا عيونهم على الواقع المرير ، ليقفوا على الأسباب المؤدّية التي قتل الخليفة حاولوا التخلّص من أوزار الحقيقة ، فنحتوا فروضاً وهمّية سببت قتل الخليفة وأودت به.
وفي حق هؤلاء يقول الكاتب المعاصر :
« وفي الشرق كتَّابٌ لا يعنيهم من التاريخ واقعٌ ولا من الحياة حال أو ظرف ، فإذا بهم يعلّلون ثورة المظلومين على أيام عثمان ، ويحصرون أحداث عصر بل عصور ، بإرادةِ فردٍ يطوّفُ في الأمصار والأقطار ويؤلّبُ الناس على خليفةٍ ودولة!
إنّ النتيجة العملية لمثل هذا الزعم وهذا الافتراء هي أنّ الدولة في عهد عثمان ووزيره مروان إنّما كانت دولةً مثاليَّة ، وأنَّ الأمويّين والولاة والأرستقراطيين إنَّما كانوا رُسُلَ العدالة الاجتماعية والإخاء البشري في أرض العرب. غير أنّ رجلاً فرداً هو عبداللّه بن سبأ أفسدَ على الأمويين والولاة والأرستقراطيين صلاحَهم وبرّهم إذ جعل يطوف الأمصارَ والأقطارَ مؤلِّبا على عثمان واُمرائه وولاته الصالحين المُصلحين. ولولا هذا الرجل الفرد وطوافُه في الأمصار والأقطار لعاش الناس في نعيم مروان وعدل الوليد وحلم معاوية عيشاً هو الرغادة وهو الرخاء.
وفي مثل هذا الزعم افتراءٌ على الواقع واعتداءٌ على الخَلق ومسايرةٌ ضئيلة الشأن لبعض الآراء ، يلفّ ذلك جميعاً منطقٌ ساذج وحجَّةٌ مصطنعة واهية. وفيه ما هو أخطر من ذلك : فيه تضليلٌ عن حقائق أساسية في بناء التاريخ ، إذ يحاول صاحب هذا المسعى الفاشل أنْ يحصر أحداثَ عصرٍ بكامله ، بل عصورٍ كثيرة ، بإرادة فردٍ يطوف
____________
١ ـ الغدير ٩ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.