حاشاه حاشاه لقد وضع لاُمّته وبوحيٍ من ربّه العليم الخبير كل قواعد واُسس الحياة الانسانية بمجالاتها الواسعة ، ولم يهمل حتى آداب الأكل والشرب ولبس النعال وحتى آداب التبوّل والتبرّز ، ووضّح لاُمّته معالم الحياة الرفيعة الراقية وفي مقدّمتها الحياة السياسية ، ورأسها المفكر وقلبها البابض ، هو القيادة المعروفة في لغة القرآن والسنّة باسم ـ الامامة والخلافة ـ والملك والسلطان ـ وبذلك نزلت البشرى من عالم الغيب والشهادة باكمال الدين ، واتمام النعمة ، والرضى بالاسلام قال تعالى : ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) ـ المائدة / ٣ (١).
لو كانت صيغة الحكومة قائمة على أساس الشورى ، وكانت هي طريقاً لتعيين الحاكم ، كان من الضروري أن يقوم النبي بتوعية الاُمّة ، وايقافها بصورة واسعة على حدود الشورى وتفاصيلها وخطوطها العريضة ، حتى لا تتحيّر الاُمّة ولا تختلف في أمرها ، ولكنّا رغم هذه الأهمية القصوى ، لا نجد لهذه التوعية الضرورية أي أثر في الكتاب والسنّة في مجال انتخاب الحاكم. أجل إنّ مقتضى كون الدين الاسلامي ديناً خاتماً هو التعرّض لصلب الموضوع مُوكِلاً شكله إلى نظر الاُمّة ، حتى يتماشى مع جميع العصور. ولا نعني من هذا أنّه يجب على الشارع اعطاء كل التفاصيل الخصوصيات الراجعة إلى الشورى ، غير أنّ هناك اُموراً ترجع إلى جوهر الشورى وصميمها ، فلا يصح للشارع أن يترك بيانها ، إذاً هناك أسئلة تطرح نفسها في المقام لا يمكن الوقوف على أجوبتها ، إلا عن طريق الشرع ، وهي :
١ ـ من هم المشاركون في الشورى ، فهل العلماء وحدهم أو السياسيون وحدهم أو الضبّاط والعساكر وحدهم ، أو المختلط منهم؟
__________________
١ ـ الزيدية نظرية وتطبيق تأليف علي بن عبدالكريم ١٠٢ ـ ١٠٣ طبع عمان ١٤٠٥.