الحسنان السبطان ، وعبد اللّه بن جعفر وعمّار بن ياسر ، حتى ناشد به عدوّه عمرو بن العاص عند احتجاجه على معاوية (١).
وهذه شواهد باهرة على عدم سكوته ولا رضاه ، بالأمر الواقع بل استمرّ على هذا إلى اُخريات حياته ، ويتّضح هذا بالرجوع إلى خطبته المعروفة الشقشقية التي ألقاها في آخر خلافته.
وأمّا عدم القيام بأخذ الحقّ بالقوة ، فلأجل أنّ القيام فرع القدرة ، ولم يكن يومذاك أيّ منعة وقدرة للإمام ، ويكفي في ذلك كلامه في خطبته الأخيرة : « فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه » (٢).
ولو افترضنا وجود القدرة ، لكن مصالح الاسلام كانت تكمن في المسالمة وادلاء الأمر إليهم ، يشير إليه الامام تارة بالكناية واُخرى بالتصريح ، أمّا الأوّل فيقول : « أيّها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة ، وعرِّجوا عن طريق المنافرة ، وضعوا تيجان المفاخرة ، أفلح من نهض بجناح ، أو استسلم فأراح. هذا ماء آجن ، ولقمة يغصّ بها آكلها ، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه.
فإن أقل ، يقولوا : حرص على الملك ، وإن أسكت ، يقولوا : جزع من الموت ، هيهات بعد اللّتيَّا والتي. واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدث اُمّه ، بل اندمجت على مكنون علم لو بُحْتُ به ، لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطويِّ
__________________
١ ـ راجع للوقوف على هذه المناشدات كتاب الغدير ١ / ١٥٩ ـ ٢١٣.
٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٣.