الثالث : قوله سبحانه : ( وإذِ ابْتَلى إبراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إماماً قالَ وَمنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١).
والاستدلال بالآية على عصمة الامام ، يتوقّف على تحديد مفهوم الامامة الواردة في الآية والمقصود منها غير النبوّة وغير الرسالة ، فأمّا الأولّ فهو عبارة عن منصب تحمّل الوحي ، والثاني عبارة عن منصب ابلاغه إلى الناس. والإمامة المعطاة للخليل في اُخريات عمره غير هذه وتلك ، لأنّه كان نبيّاً ورسولاً وقائماً بوظائفهما طيلة سنين حتى خوطب بهذه الآية ، فالمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة ، وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة وقدرة. ويعرب عن كون المراد من الامامة في المقام هو المعنى الثالث ، قوله سبحانه : ( أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إبْراهيمَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظيماً ) (٢).
فالإمامة التي أنعم بها اللّه سبحانه على الخليل وبعض ذريّته ، هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. وعلينا الفحص عن المراد بالملك العظيم ، إذ عند ذلك يتّضح أنّ مقام الامامة ، وراء النبوّة والرسالة ، وانّما هو قيادة حكيمة ، وحكومة إلهية ، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة. واللّه سبحانه يوضح حقيقة هذا الملك في الآيات التالية :
١ ـ يقول سبحانه ـ حاكياً قول يوسف عليهالسلام : ( رَبَّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأويلِ الأحاديثِ ) (٣) ومن المعلوم أنّ الملك الذي منّ به
__________________
١ ـ البقرة / ١٢٤.
٢ ـ النساء / ٥٤.
٣ ـ يوسف / ١٠١.