إنّك إذا تتّبعت كتب التاريخ والتراجم والسير تقف على نظير هذه الكلمات وأشباهها ، كلّها تعرب عن اتّفاق الأمّة على إمامته في العلم والقيادة الروحية وإن اختلفوا في كونه إماماً منصوصاً من قبل اللّه عزّوجلّ ، فذهبت الشيعة إلى الثاني نظراً إلى النصوص المتواترة المذكورة في مظانّها (١).
إنّ الامام قام بهداية الاُمّة إلى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الآراء والأفكار ، واشتعلت فيه نار الحرب بين الامويين ومعارضيهم من العباسيين ففي تلك الظروف الصعبة والقاسية استغلّ الامام الفرصة فنشر من أحاديث جدّه ، وعلوم آبائه ما سارت إليه الركبان وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والفقهاء. ولقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلاف آرائهم ومقالاتهم فكانوا أربعة آلاف رجل (٢) وهذه فضيلة رابية لم تكتب لأحد من الأئمّة قبله ولا بعده.
إنّ الامام عليهالسلام قام بالتحديث عن جدّه وآبائه عندما اندفع المسلمون إلى تدوين أحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد الغفلة التي استمرّت إلى عام ١٤٣ (٣) وقد اختلط الصحيح بالضعيف وتسرّب إلى السنّة الاسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات بالاضافة إلى المختلقات والمجعولات على يد علماء السلطة ومرتزقة البلاط الاموي. وبالامام عرفوا الصحيح من الزائف ، والحقيقة من الباطل فأخذوا عنه الحكم والأحاديث النبويّة ولو نهلت الاُمّة من مناهل علمه وتركوا الروايات التي رواها الوضّاعون والكذّابون. لما ابتلت الاُمة بمصائب الحديث التي تركها الرواة على جبين الدهر وترى كثيراً من هذه المصائب في الصحاح والمسانيد
____________
١ ـ لاحظ الكافي ١ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ وإثبات الهداة للحر العاملي ٥ / ٣٢٢ ـ ٣٣٠.
٢ ـ الارشاد ٢٧٠ والمناقب لابن شهر آشوب ٤ / ٢٤٧.
٣ ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي ، خلافة المنصور الدوانيقي فقد حدّد تاريخ التدوين بسنة ١٤٣.