قبول دعوتهم لقيام الحجة بوجود الناصر (١).
ولمّا نكث الناكثون البيعة ، وقادوا حبيسة رسول اللّه « عائشة » ، معهم إلى البصرة ، ارتحل الإمام بأنصاره وشيعته إلى العراق إلاّ قليلاً بقوا في الحجاز لقلع مادة الفساد قبل أن تستفحل ، ولمّا قلع عين الفتنة ، استوطن الإمام الكوفة واستوطنها معه شيعته وصارت الكوفة عاصمة التشيّع ، ومعقله ، وفيها نما وأينع وأثمر ومنها انحدر إلى سائر البلدان ، بعدما كان الحجاز مهبط التشيّع ومغرسه ومحتده. فكان حجازي المحتد والمغرس عراقي النشوء والنمو. ولم يكن يوم ذاك يتظلّل في ظلال التشيّع ، إلاّ عربي صميم ، من عدنانيّ وقحطانيّ ولم يكن بينهم فارسىّ المحتدّ ولا بربريّ الأصل ولا شعوبيّ العقيدة.
ومضت على التشيّع في مغرسه ( الحجاز ) قرون ومرّت به أجواء قاسية ، وظروف رهيبة كادت تقضي على الشيعة ـ مع ذلك ـ نرى اليوم تواجدهم في مكة والمدينة وحضر موت ونجران ، الحدود اليمنية ، وقبائل الأطراف رغم العدوانية السائدة في هذه الآونة الأخيرة ضدّهم ورغم سيادة السيف والوحشية الكاسرة فيها ، فبنو جهم ، وبنو علي ، وبعض بني عوف ، ونخاولة المدينة والفلاحون في رساتيقاها كلّهم شيعة.
وأمّا المنطقة الشرقية كالاحساء والقطيف والدمّام ، فالأكثرية الساحقة فيها هي الشيعة ، ولأجل سحق هذه الأكثرية عمدت السلطة الوهابية بزرع السنّة في بلادهم باستيطان بعض القبائل والموظفين فيها واللّه من وراء القصد.
__________________
١ ـ إشار إلى قوله عليهالسلام : « أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر ... لأقيت حبلها على غاربها » نهج البلاغة ، الخطبة ٣.