أفبعد هذه القرائن يصح للرازي أن يفسّر التولّي في هذه الآيات بالحب والنصرة. على أنّ تفسير ولاية اللّه والرسول بالحبّ والنصرة تفسير بأمر واضح لا يحتاج إلى زيادة تأكيد.
هذه هي الشبهة المهمّة في كلامه ، وأمّا باقي الشبهات ، فليس بشيء ذي بال.
مثلا يقول : لو نزلت الآية في حق علي ، يجب أن يكون نافذ التصرّف حال حياة الرسول ، والآية تقتضي كون هؤلاء المؤمنين موصوفين بالولاية في الحال (١).
والجواب : انّ هذا المقام كان ثابتاً لعلي كثبوته للّه سبحانه والرسول ، غير أنّه لا يقوم بتطبيقه على صعيد الحياة إلاّ عند الحاجة ، وهو عند ارتحال الرسول ومفارقته الاُمّة ، وهذا هو المفهوم من تعيين ولي العهد عند الاُمم.
وأنت إذا قارنت الآية وما ورد حولها من شأن النزول ، وما نزل في حق علي من الآيات التي تعرّف طهارته من الذنب (٢) ، وكون حبّه ومودّتهم أجراً للرسالة (٣) ، وانّه نفس النبي الأكرم (٤) ، وانّ بيته من أفضل البيوت التي قال في حقّها سبحانه : ( فِي بُيُوتٍ أِذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ ) ـ النور / ٣٦ ـ (٥) لوقفت على أنّ الذكر الحكيم يواكب السنّة في تعيين مصير الاُمّة الإسلامية في مجال القيادة
__________________
١ ـ مفاتيح الغيب ١٢ / ٢٨.
٢ ـ اشاره إلى نزول قوله سبحانه : ( إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) في حق علي وأهل بيته ـ الأحزاب / ٣٣ ـ.
٣ ـ اشاره إلى قوله سبحانه : ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة فى القربى ) ـ الشورى / ٢٣ ـ.
٤ ـ إشاره إلى قوله سبحانه في أمر المباهلة مع نصارى نجران : ( فقل تعالوا ندع أبناءَنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) ـ آل عمران / ٦١ ـ.
٥ ـ إشاره الى ما رواه السيوطي في الدر المنثور من قول أبي بكر للنبىّ بعد نزول الآية : قال يا رسول اللّه أهذا البيت منها ـ أي بيت علي وفاطمة ـ؟ قال : هم من أفاضلها ٥ / ٥٠.