والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالغَارِمينَ وَفِى سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلَيمٌ حَكِيمٌ ) (١) ، الآية صريحة في أنّ لكلّ واحد من الأصناف المذكورة سهم ودلّت كتب السيرة والفقه على أنّ الرسول يعطي سهم المؤلّفة قلوبهم ، فيؤلّف بذلك قلوبهم ، وهذه سيرته المستمرّة معهم ، لكن لمّا ولّي ابوبكر جاء المؤلّفة قلوبهم لاستيفاء سهمهم جرياً على عادتهم مع رسول اللّه فكتب أبوبكر لهم بذلك ، فذهبوا بكتابه إلى عمر ليأخذوا خطّه عليه فمزّقه وقال : لا حاجة لنا بكم ، فقد أعزّ اللّه الإسلام وأغنى عنكم ، فإن أسلمتم وإلاّ فالسيف بيننا وبينكم ، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا له : أنت الخليفة أم هو؟ فقال : بل هو إن شاء اللّه تعالى ، وأمضى ما فعله عمر (٢).
فاستمرّ الأمر على ذلك بعدهم ، وأقصى ما عند المحقّقين من تبرير عمل الخليفة ما ذكره الدواليبي في كتابه اُصول الفقه وقال : ولعلّ اجتهاد عمر ـ رضي اللّه عنه ـ في قطع العطاء الذي جعله القرآن الكريم للمؤلّفة قلوبهم كان في مقدّمة الأحكام الّتي قال بها عمر تبعاً لتغيير المصلحة بتغير الأزمان رغم أنّ النص القرآني لا يزال ثابتاً غير منسوخ (٣).
وما ذكره الاُستاذ يعارض ذيله صدره ، فما معنى أنّ النص القرآني لا يزال ثابتاً غيرمنسوخ ، فإذا كان غير منسوخ فما معنى الاجتهاد في مقابل النص ، لأنّ معنى ذلك ابطال القرآن في فترة خاصة ، ولو صحّ لأصحاب السلطة هذا النمط من العمل لما بقي من الإسلام أثر ، فالنص لا يتغيّر ولا يتبدّل ولا تتقيّد اطلاقاته ولا عموماته بالمصالح المرسلة.
__________________
١ ـ التوبة / ٦٠.
٢ ـ الجوهرة النيرة ١ / ١٦٤ وهي في الفقه الحنفي ونقله في المنار ١٠ / ٥٧٦.
٣ ـ اُصول الفقه للدواليبي : ٢٣٩.