نعم يجوز على القول بعدم لزوم الاستيعاب في تقسيم الزكاة ، دفعها إلى صنف دون صنف ، لكنّه إنّما يجوز مؤقّتاً لا دائماً ، غير أنّ الخليفة قام بقطع سهم المؤلّفة قلوبهم من رأس ، وهذا هو الذي فهمه أبو حنيفة ، والشافعي (١) بحجّة أنّ اللّه أعزّ الإسلام وهو اجتهاد من عمر بأنّه ليس من المصلحة استمرار هذا الأمر. ولا نريد من الاجتهاد في مقابل النص إلاّ هذا.
هذه نماذج خمسة من مخالفتهم للنصوص والعمل وفق اجتهادات ذوقية ، غير أنّ أصحاب السلطة قدّموها على النصوص بقوة وحماس ، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ النصوص كانت أداة طيّعة للتغيير حسب الأهواء والميول الشخصية سواء أكانوا مقصّرين في هذا التأويل أم قاصرين.
والهدف ايقاف القارىء على أنّ مخالفة النصوص لأصحاب النفوذ لم يكن أمراً عسيراً أو شيئاً نادراً.
وبذلك تبيّن أنّ إعراضهم عن أدلّة تنصيب الإمام للخلافة ، لم يكن أمراً عجيباً ، وذلك لجريان سيرة الصحابة على تقديم المصالح المزعومة على النصوص وبذلك يقطع العذر على من زعم أنّه لو كان في مسألة الخلافة وامامة الامام أميرالمؤمنين ، نصّ ، لما خالفه الصحابة العدول وتلقّوه بالقبول. فيقال أوما أمرهم النبيّ ، بإحضار القلم والدواة ، فحالوا بينه وبين منيته ، أو ماحثهم على تجهيز جيش اُسامة ولعن المتخلّفين عنه ، ولكنّهم اثّاقلوا إلى الأرض أو ما .. أوما ...
وهناك كلمة لابن ابي الحديد ، وهو يقارن بين سياستي علي ،وعمر وسياستي علي ومعاوية وإليك نصّه.
اعلم انّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلاّ إذا كان يعمل برأيه ، وبما يرى
__________________
١ ـ المنار ١٠ / ٥٧٦.