فيه صلاح ملكه وتمهيد أمره وتوطيد قاعدته ، سواء أوافق الشريعة أم لم يوافقها ، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه ، وإلاّ فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله.
وأميرالمؤمنين عليهمالسلام كان مقيّداً بقيود الشريعة ، مدفوعاً إلى اتّباعها ، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير ، إذا لم يكن للشرع موافقا ، فلم تكن قاعدته في خلافته ، قاعدة غيره ممّن لم يلتزم بذلك ولسنا بهذا القول ضارّين على عمر بن الخطاب ولا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه ، ولكنّه كان مجتهداً يعمل بالقياس والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء وبالاستنباط ، من اُصول ، تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النص ، ويكيد خصمه ، ويأمر اُمراءه بالكيد والحيلة ، ويؤدّب بالدرّة والسوط من يغلب على ظنّه أنّه يستوجب ذلك ، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقّون به التأديب. كل ذلك بقوّة اجتهاده وما يؤدّيه إليه نظره. ولم يكن أميرالمؤمنين عليهمالسلام يرى ذلك ، وكان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعدّاها إلى الاجتهاد والأقيسة ، ويطبّق اُمور الدنيا على الدين ويسوق الكل مساقاً واحدا ، فاختلفت طريقتاهما في الخلافة والسياسة (١).
وقال الجاحظ : وربّما رايت بعض من يظن بنفسه العقل والتحسين والفهم والتمييز ، وهو من العامة وهو يظن أنّه من الخاصة يزعم أنّ معاوية كان أبعد غوراً ، وأصحّ فكراً ، وأجود رؤية وأبعد غاية ، وأدق مسلكاً ، وليس الأمر كذلك ، وسأومي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه ، والمكان الذي دخل عليه الخطأ من قبله.
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ٥٧٢.