درجة يقدّم فيها التحفّظ على عثمان في عمله الشاذّ عن الكتاب والسنّة على العمل بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أخضع معاوية لما ارتآه من الرأي الشائن في صلاة العصر ، فما ذا يكون عبثهما بالدين فيما هو دون الصلاة من الأحكام؟
وإن تعجب فعجب أنّه يَعدُّ مخالفة عثمان في رأيه الخاصّ له عيباً عليه يغيّر لأجله الحكم الدينيّ الثابت ، ولا يَعدّ مخالفة رسول الله وما جاء به محظورة تترك لأجلها الأباطيل والأحداث!
ومن العجيب أيضاً أن يُنهى معاوية عن مخالفة عثمان ، ولا يُنهى من خالف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن مخالفته. أهؤلاء من خير أُمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله؟ وأعجب من كلّ ذلك حسبان أُولئك العابثين بدين الله عدولاً وهذه سيرتهم ومبلغهم من الدين الحنيف.
٢ ـ أخرج البخاري (١) من طريق أبي سعيد الخدري قال : خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر ، فلمّا أتينا المصلّى إذا منبر بناه كثير بن الصلت ، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلّي ، فجبذت بثوبه فجبذني ، فارتفع فخطب قبل الصلاة ، فقلت له : غيّرتم والله. فقال : أبا سعيد قد ذهب ما تعلم. فقلت : ما أعلم والله خير ممّا لا أعلم. فقال : إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. وفي لفظ الشافعي : يا أبا سعيد تُرك الذي تعلم.
أترى مروان كيف يغيّر السنّة؟ وكيف يفوه ملء فمه بما لا يسوغ لمسلم أن يتكلّم به؟ كأنّ ذلك مفوّضٌ إليه ، وكأنّ تركها المنبعث عن التجرّي على الله ورسوله يكون مبيحاً لإدامة الترك ، لما ذا ذهب ما كان يعلمه أبو سعيد من السنّة؟ ولما ذا تُرك؟
نعم ؛ كان لمروان في المقام ملحوظتان : الأُولى اقتصاصه أثر ابن عمّه عثمان ،
__________________
(١) صحيح البخاري : ١ / ٣٢٦ ح ٩١٣.