سنين (١)؟ وهل كانت تفخر في دور الإسلام بثروة بائدة في الجاهليّة وصاحبها جائع في الحال الحاضر؟
ولست أدري ما الذي قضى على تلكم الآلاف المؤلّفة؟ وما الذي أفناها وأبادها وأفقر صاحبها؟ حتى أصبح ولا يملك شيئاً ، أو كان لا يملك يوم هجرته إلاّ أربعة أو خمسة أو ستة آلاف من الدراهم ـ إن كان ملكها ـ ولو كان أنفق أيّ أحد عشر معشار ذلك المال لدوّخ العالم صيته ، وكان يومئذٍ يُعدّ في الرعيل الأوّل من أجواد الدنيا ولم يوجد في صحيفة التاريخ ذكر من تلكم الآلاف والكراسي والحلل ، هب أنّ الذهبي قال في حديث عائشة : ألف الثانية باطلة قطعاً فإنّ ذلك لا يتهيّأ لسلطان العصر.
وأقرّ ابن حجر تعقيبه في تهذيب التهذيب (٢) ، فأين قصّة ألف أوقية الصحيحة في صحائف التاريخ؟
وإن صحّت الأحلام ، وصُدّقت هذه القصص الوهميّة ، وكان لأبي بكر ذلك المال الطائل الخيالي لما افتقر أبو قحافة والده لأن يكون أجير عبد الله بن جدعان للنداء على طعامه ، ولم يكن يقتني بتلك الخسّة لماظة من العيش كما قاله الكلبي في المثالب ، وأشار إليه أُميّة بن الصلت في قصيدة يمدح بها ابن جدعان بقوله :
له داعٍ بمكة مشمعلٌ |
|
وآخر فوق دارته ينادي (٣) |
__________________
(١) الإصابة : ٤ / ٣٥٩ [رقم ٧٠٤] ، ويستفاد ذلك من صحيح البخاري في باب زواج عائشة [٣ / ١٤١٥ ح ٣٦٨٣] ، وتاريخ ابن عساكر : ١ / ٣٠٤ [٣ / ١٩٧] ، والاستيعاب [القسم الرابع / ١٨٨٢ رقم ٤٠٢٩]. (المؤلف)
(٢) ميزان الاعتدال للذهبي : ٢ / ٣٤١ [٣ / ٣٧٥ رقم ٦٨٢٣] ، تهذيب التهذيب : ٨ / ٣٢٥ [٨ / ٢٩١]. (المؤلف)
(٣) اشمعلّ الرجل : ارتفع وشرف.