على أنّ للنظر في رواية الراحلتين مجالاً واسعاً بما رواه ابن الصبّاغ في الفصول المهمّة (١) والحلبي في السيرة (٢) (٢ / ٤٤) من أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر أسماء بنت أبي بكر أن تأتي عليّا وتخبره بموضعهما ، وتقول له يستأجر لهما دليلاً ويأتي معه بثلاث من الإبل بعد مضيّ ساعة من الليلة الآتية وهي الليلة الرابعة ، فجاءت أسماء إلى عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ فأخبرته بذلك ، فاستأجر لهما رجلاً يقال له الأُريقط بن عبد الله الليثي ، وأرسل معه بثلاث من الإبل ، فجاء بهنّ إلى أسفل الجبل ليلاً ، فلمّا سمع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بكر فعرفاه.
وفيه صراحة بأنّه لم تكن هناك راحلتان لأبي بكر معبّأتان لركوبهما ، وإنّما جيء بالرواحل مستأجرة ، وقد جمع الحلبي بين هذا وبين حديث الراحلتين بأنّ المراد باستئجار عليّ رضى الله عنه إعطاؤه الأجرة. وهذا الجمع يأباه لفظ الحديثين كما ترى.
ولقد روي كما يأتي أنّ الذي استصحبه أبو بكر من المال ـ يوم هاجر من المدينة ـ وهو كلّ ما يملكه أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم ، فأين هذا من الألف ألف أُوقية؟ والكراسي المذكورة وحللها المقوّمة بثلاثمائة وستين ألف دينار وما يتبعها؟ وأيّ نسبة بين صاحب تلك الثروة وبين ما لا يملك إلاّ هذه الدراهم المعدودة؟
وأيّ نسبة بينها وبين أيّامه وأيّام أبيه بمكة وبين ما كان يحترف به في المدينة من بيع الأبراد والأقمشة على عنقه وعلى ساعده ، حرفةً ضئيلة يدور بها في الأزقّة والأسواق من دون أن يستقرّ في متجر أو حانوت.
أخرج ابن سعد من طريق عطاء قال : لمّا استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتّجر بها فلقيه عمر بن الخطّاب وأبو عبيدة الجرّاح ، فقالا
__________________
(١) الفصول المهمّة : ص ٤٨.
(٢) السيرة الحلبيّة : ٢ / ٤٠.