به البيضاوي والزمخشري ، فيقع ذلك منه موقعاً حسناً ويطالبني المخرج منه ، فإليك البيان :
أمّا الأخيران فقد ذكر البيضاوي في تفسيره (١) (١ / ١٨٥) ، والزمخشري في الكشاف (٢) (١ / ٢٨٦) أنّ قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الآية. نزلت في أبي بكر حين تصدّق بأربعين ألف دينار ، عشرة بالليل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة بالسرّ ، وعشرة بالعلانية.
هذه المرسلة التي لم أعرف قائلها من الصحابة والتابعين ، ولم أقف على عزوها إلى أحد من السلف في كتب القوم إلاّ سعيد بن المسيّب المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها في عليّ أمير المؤمنين ، ومنحت فيها لأبي بكر أربعين ألف دينار لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كمّية كبيرة كهذه إلى فهم بسطاء الأمّة دون مُنفق أربعة دراهم ، ذاهلاً عمّا هو المتسالم عليه عند القوم من أخذ أبي بكر يوم هجرته إلى المدينة أربعة أو خمسة أو ستّة آلاف درهم ، وهي جميع ما كان يملكه. والآية المذكورة في سورة البقرة ، وقد أصفقت أئمّة الحديث والتفسير على نزولها بالمدينة في أُوليات الهجرة (٣) ، قال ابن كثير في تفسيره : هكذا قال غير واحد من الأئمّة والعلماء والمفسّرين ، ولا خلاف فيه.
فأنّى لأبي بكر عند نزول الآية الأربعون ألف دينار؟ تصدّق بها أم لم يتصدّق ، ولم يكن يملك إلاّ دريهمات إن صحّ حديثها أيضاً ، وستعرف أنّه لا يصحّ.
__________________
(١) تفسير البيضاوي : ١ / ١٤١.
(٢) الكشّاف : ١ / ٣١٩.
(٣) تفسير القرطبي : ١ / ١٣٢ [١ / ١٠٧] ، تفسير ابن كثير : ١ / ٣٥ ، تفسير الخازن : ١ / ٩١ [١ / ١٩] تفسير الشوكاني ١ / ٦١ [١ / ٢٧]. (المؤلف)