وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة ؛ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : اللّهمّ إنَّما أنا بشرٌ فأيّما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلاً فاجعل ذلك كفّارة وقُربة تقرّبه بها عندك يوم القيامة. فركّب مسلم من الحديث الأوّل وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ، ولم يورد له غير ذلك (١).
قال الأميني : هنا يرتج عليَّ القول في مساءلة هذا المدافع عن ابن هند والناحت له فضيلة مركّبة من رذيلة ثابتة لمعاوية ، وأفيكة مفتراة على قدس صاحب الرسالة ، أنّه هل عرف النافع من الضارِّ ، فحكم بانتفاع معاوية بالدعوة المذكورة في دنياه وأُخراه ؟ وأنَّه هل عرف حدود الإنسانيّة وكمال النفس ؟ ولا أظنّه ، وإلّا لما حكم بأنّ الذي كان يرغب فيه معاوية وحسب أنّه يرغب فيه الملوك من كثرة الأكل وقوّة المعدة إلى ذلك الحدّ الممقوت المساوق حدّ البهائم نعمة من الله أتت ابن آكلة الأكباد ببركة دعوة النبيِّ المعصوم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يعرف من سعادة الحياة إلّا أن يملأ أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً ، وما ملأ آدميٌّ وعاءً شرّاً من بطنه ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلثٌ لطعامه ، وثلثٌ لشرابه ، وثلثٌ لنفسه (٢).
ثم إنّ الذي يتبيّن من تضاعيف الروايات وخصوصيّات المقام أنَّ المورد مورد نقمة لا مورد رحمة ، وإنّما الدعاء عليه لا له كيفما تمحّل ابن كثير ، فقد طعن على الرجل أبو ذر الغفاري بقوله : لعنك رسول الله ودعا عليك مرّات أن لا تشبع (٣) واشتهرت عنه هذه المنقصة حتى جرت مجرى المثل وقيل فيها :
وصاحبٌ لي بطنه كالهاويه |
|
كأنَّ في أحشائه معاويه |
___________________________________
(١) البداية والنهاية : ٨ / ١٢٧ ـ ١٢٨ حوادث سنة ٦٠ هـ.
(٢) من قولنا : وما ملأ آدمي إلى آخره ، أخرجه أحمد [ في المسند ٥ / ١١٧ ح ١٦٧٣٥ ] ، والترمذي [ في السنن ٤ / ٥٠٩ ح ٢٣٨٠ ] ، وابن ماجة [ في السنن : ٢ / ١١١١ ح ٣٣٤٩ ] ، والحاكم [ في المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٣٦٧ ح ٧٩٤٥ ] مرفوعاً ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما في الجامع الصغير [ ٢ / ٥٢٦ ح ٨١١٧ ]. ( المؤلف )
(٣) راجع الغدير : ٨ / ٣٠٤. ( المؤلف )