قال الأميني : هلمَّ معي نقرأ هذه الصحائف السوداء المحشوّة بالمخازي وشية العار ، المملوّة بالموبقات والبوائق ، فننظر هل في الشريعة البيضاء ، أو في نواميس البشريّة ، أو في طقوس العدل مساغٌ لشيء منها ؟ دع ذلك كلّه هل تجد في عادات الجاهليّة مبرّراً لشيء من تلكم الهمجيّة ؟ وهل فعل أولئك الأشقياء الأشدّاء في أيّامهم المظلمة فعلاً يربو على مخاريق ابن هند ؟ لا. وإنَّك لا تسمع عن أحد ممّن يحمل عاطفة إنسانيّة ، ولا أقول ممّن يعتنق الدين الحنيف فحسب ، يستبيح شيئاً من ذلك أو يحبِّذ مخزاةً من تلكم المخازي ، وهل تجد معاوية وهذه جناياته من مصاديق قوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) الآية (١) ؟ فهل ترى ابن أبي سفيان خارجاً عنهم ؟ فليس هو من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا ممّن معه ، ولا رحيماً بهم ، أو أنَّ من ناوأه وعاداه وسبّه وآذاه وقتله وهتكه خارجون عن ربقة الإسلام ؟
فهو شديدٌ عليهم وهم خيرةُ أُمّة محمد المسلمة ، تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً. فالحكم للنصفة لا غيرها.
كأنَّ هاهنا نسيت ثارات عثمان وعادت تبعة أُولئك المضطهدين محض ولاء عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام وقد قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله ، وحبّهم لمن يحبّه الله ورسوله ، وطاعتهم لمن فرض الله طاعته ، وودّهم من جعل الله ودّه أجر الرسالة. فلم يقصد معاوية وعمّاله أحداً بسوء إلّا هؤلاء ، فطفق يرتكب منهم ما لا يُرتكب إلّا من أهل الردّة والمحادّة لله ولرسوله. فكان الطريد اللعين ابن الطريد اللعين مروان ، وأزنى ثقيف مغيرة بن شعبة ، وأُغيلمة قريش الفسقة في أمنٍ ودعة ، وكان يولِّي لأعماله الزعانفة الفجرة أعداء أهل بيت الوحي : بُسر بن أرطاة ، ومروان بن الحكم ، ومغيرة بن شعبة ، وزياد بن أبيه ، وعبد الله الفزاري ، وسفيان بن عوف ، والنعمان بن
___________________________________
(١) الفتح : ٢٩.