بشير ، والضحّاك بن قيس ، وسمرة بن جندب ، ونظراءهم ، يستعملهم على عباد الله وهو يعرفهم حقّ المعرفة ولا يبالي بقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من تولّى من أمر المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أنّ فيهم من هو أولى بذلك وأعلم بكتاب الله وسنّة رسوله فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين » (١). فكانوا يقترفون السيئات ، ويجترحون المآثم بأمر منه ورغبة ، ولم تكن عنده حريجة من الدين تزعه عن تلكم الجرائم ، فأمر بالإغارة على مكة المكرّمة وقد جعلها الله بلداً آمناً يأمن من حلَّ بها وإن كان كافراً ، ولأهلها وطيرها ووحشها ونباتها حرمات عند الله ، وهي التي حقنت دم أبي سفيان ومن على شاكلته من حاملي ألوية الكفر والإلحاد ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يرعاها كلّ الرعاية يوم الفتح وغيره ، فما عامل أهلها هو وجيشه الفاتح إلّا بكلّ جميل ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنَّ هذا بلد حرم الله يوم خلق السموات والأرض ، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وانّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلّا من عرفها ولا يختلى خلاها » (٢).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّ مكة حرّمها الله ولم يحرمها الناس ، فلا يحلُّ لأمرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحدٌ ترخّص لقتال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقولوا له : إن الله أذن لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يأذن لكم ، وإنَّما أذن لي ساعةً من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، وليبلّغ الشاهد الغائب » (٣).
وأمر ابن هند بالاستحواذ على مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وإخافة أهلها والوقيعة فيهم واستقراء من يوجد فيها من شيعة عليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وللمدينة
___________________________________
(١) مجمع الزوائد : ٥ / ٢١١. ( المؤلف )
(٢) صحيح البخاري ، باب لا يحلّ القتال بمكة : ٣ / ١٦٨ [ ٢ / ٦٥١ ح ١٧٣٧ ] ، صحيح مسلم : ٤ / ١٠٩ [ ٣ / ١٦٠ ح ٤٤٥ كتاب الحج ]. ( المؤلف )
(٣) صحيح البخاري : باب لا يعضد شجر الحرم : ٣ / ١٦٧ [ ٢ / ٦٥١ ح ١٧٣٥ ]. ( المؤلف )