المجتمع ، أو إفساد على السلطان ، أو شقّ لعصا المسلمين ، وكان حُجر وهو سيّد قومه يقول : ألا إنّي على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس. ويقول ليزيد بن حجيّة : أبلغ معاوية أنّا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها ، وأنّه إنّما شهد علينا الأعداء والأظنّاء. ويقول : ما خلعت يداً عن طاعة ولا فارقت جماعة وإنّي على بيعتي. ولمّا أُدخل على معاوية سلّم عليه بإمرة المؤمنين (١).
لم يكن صلاح الرجل وأصحابه يخفى على أيِّ أحد حتى على مثل المغيرة الذي كان من زعانف معاوية الخصماء الألدّاء على شيعة أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام فإنَّه لمّا أشير عليه بالتنكيل بحُجر وأصحابه قال : لا أُحبُّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم ، فيسعدوا بذلك وأشقى ، ويعزّ في الدنيا معاوية ويذلّ يوم القيامة المغيرة. ورأى أصحاب معاوية منهم آخر ليلة حياتهم بعذراء حسن صلاة ودعاء فأعجبهم نسكهم وأكبروا موقفهم من طاعة الله غير أنّهم ألقوا عليهم البراءة من عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام بأمرٍ من معاوية براءة يتبعها الأمان والسلام فلم يفعلوا ، فقتلوا في موالاة عليّ عليهالسلام كما قاله الحاكم في المستدرك (٢) ( ٣ / ٤٧٠ ) ، وسمعت في كلمة الإمام السبط عليهالسلام قوله : « أوَلست قاتل الحضرميّ الذي كتب إليك فيه زياد : أنَّه على دين عليّ كرّم الله وجهه ، فلم يك ذنبهم إلّا موالاة من قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله ».
ونحن لا ندري هل ثبت في الشريعة أنَّ البراءة من إمام الهدى ولعنه مجلبةٌ للأمان على حين أنَّ الرجل مستحقٌّ للإعدام ؟ أو أنَّ ذلك نفسه فريضةٌ ثابتةٌ قامت بها الضرورة من الدين ، فيهدر به دم تاركها ، ويكون قتله من أحبّ ما يكون إلى
___________________________________
(١) الأغاني : ١٦ / ٦ [ ١٧ / ١٥٤ ] ، تاريخ الطبري : ٦ / ١٥٣ [ ٥ / ٢٧٣ حوادث سنة ٥١ هـ ] ، الكامل لابن الأثير : ٤ / ٢١٠ [ ٢ / ٥٠٠ حوادث سنة ٥١ هـ ] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٦٩ ، ٤٧٠ [ ٣ / ٥٣٢ ، ٥٣٣ ح ١٥٧٤ ، ١٥٧٩ ] ، الاستيعاب : ١ / ٣٥٧ [ القسم الأول / ٣٣٠ ح ٤٨٧ ] ، الإصابة : ١ / ٣١٥ [ ١٦٢٩ ]. ( المؤلف )
(٢) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٥٣٤ ح ١٥٨١.