الاجتماع وشريعتنا السمحة أباحتها وإن حالت أخيرا دونها العادات في الحواضر لأسباب الشرف وحفظ العرض. فالحزب النبيه المفكر من الأمة أخذ يتدبر للمسألة في طريقة تنطبق على الكرامة ولا تصادم العادة. مثل الرؤية بدون خلوة بعد العقد الذي يلزم به نصف الصداق وهو يهون على الزوج إذا لم يصادف المرأة طبق هواه ، ومن جهة أخرى فالعلم بأداء نصف الصداق يدعو الخاطب إلى التثبت في الصداق وعدم التساهل في الطلاق بعد الرؤية التي لا تكبر على أولياء المرأة ما دامت زوجا بمجرد العقد. وقد أصبح عدد غير قليل في الأمة يتضجر من عواقب اتخاذ رفيقة لمدة الحياة لا يعرف من صفاتها الذاتية الأدبية غير الاسم لذلك تعقب هاته الطريقة غالبا النفرة والاختلاف ، وقلما يكون معها بحكم الطفرة رضى وائتلاف. أما تهذيب المرأة ورفع الحجاب فهما من المسايل التي انقسمت فيها آراء الكتاب. والفكر التونسي لا يرى مانعا من الأول ويتعذر عليه الأمر الثاني وقد كتب فيه الشيخ صاحب كتاب «أم الدنيا» ، والباشا نجل الحاج عبد القادر في رسائله بما فيه غنى لكل باحث في هذا الموضوع ـ وخلاصة القول في المسألة ما ذكره أبو علي ابن سينا في شأن المرأة من الرأي السديد والقول الجامع لموجبات الزوج والزوجة في القرون الأولى ، ومضمونه بإيجاز ـ أن المرأة الصالحة شريكة الرجل في ملكه وقيمته في ماله وخليفته في رحله.
وخير النساء العاقلة الدينة الحيية الفطنة المبتذلة في خدمة زوجها ، تحسن تدبيرها وتكثر قليله بتقديرها ، وتجلو أحزانه بجميل أخلاقها وتسلي همومه بلطيف مداراتها.
وجماع سياسة الرجل أهله ثلاثة أمور : الهيبة الشديدة ، الكرامة التامة ، شغل خاطرها بالمهم. وليست الهيبة إلّا صيانة الرجل لمروءته ودينه وتصديقه وعده ووعيده. وليست الكرامة التامة إلّا تحسين شارتها ، وشدة حجابها وترك إغارتها.
وليس شغل خاطرها إلّا أن يتصل شغل المرأة بسياسة أولادها. وتدبير خدمها وتفقد ما يضمه خدرها من أعمالها. أما اتحاد العوايد بين البشر فهذا مما لا سبيل إلى الطمع فيه ، مثل توحيد اللغات والأديان والسعي وراءه معارضة لنظام الكون وسنة الله في خلقه ، ومع ذلك فلا يأتي بفائدة. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً). ناولتني تلك الفتاة المهذبة كتابا تطالعه وأوقفتني على فصل منه فيما يتعلق بالتنبه قبل الزواج حتى يكون الزوجان على بينة ، وهو يتضمن أن الحب ربما جرى