صور الشعراء وبلدانهم في بعض منازله ، وكتب شعر كل واحد منهم عند رأسه وجعل بجانب كل واحد منهم رفا لطيفا ، وأمر أن تحط جائزة كل واحد على الرف المجاور له ويأذن للشعراء بالدخول ليأخذ كل منهم جائزته بيده. وكانت للفاطميين بمصر مجموعات من الصور الآدمية والوحشية مجسمة في خيام خاصة مفروشة بالبسط الأندلسية.
والأندلس قال ابن خلدون في شأنهم ما مضمونه : إذا كانت أمة تجاور أخرى يسري إليها منها في التشبه والاقتداء حظ كبير ، كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة ، فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتى في رسم التماثيل في الجدران والمصانع والبيوت.
وكانت للعبيديين في القاهرة من جملة أثاث المنزل أشكال الصور الآدمية والوحشية من الفيلة والزرافات ونحوها ، معمولة بالذهب والفضة ، مكللة بأنواع الحجارة الكريمة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد ، وبعض الحيوانات من عنبر معجونة كخلقة الفيل وناباه من فضة وعيناه جوهرتان كبيرتان في كل منهما مسمار ذهب وعليه سرير منجور من الزرد بمتكئات فضة وذهب ، وعليه عدة من الرجال ركبانا وعليهم اللبوس تشبه الزرديات ، وعلى رؤوسهم الخود وبأيديهم السيوف المجردة والدرق وجميع ذلك فضة. وصور بعض السباع منجورة من عود وعيونها من الياقوت الأحمر وهي على فريستها. إلى غير ذلك من المصنوعات الظريفة والتحف اللطيفة. وعبد الرحمان الناصر بالزهراء جلب حوضا من الشام منقوشا بتماثيل نصبه في مجلسه المعروف بالمونس ، وجعل عليه اثني عشر تمثالا من الذهب الأحمر مرصعة بالدر النفيس مما عمل بدار الصناعة بقرطبة ، وصورة أسد إلى جانبه غزال إلى جانبه تمساح ، وفيما يقابله ثعبان وعقاب وفيل ، وفي الجانبين الآخرين حمامة وشاهين وطاوس ودجاجة وديك وحدأة ونسر من ذهب مرصع بالجوهر النفيس يخرج الماء من أفواهها. ذكر جميع ذلك أشهر المؤرخين وعمدة رواة الأخبار بما يدل صريحا على أن عوائد الأمم من فارس والروم والإفرنج فاضت حتى في صدر الإسلام بموجب المجاورة والامتزاج والتقليد وغمرت المسلمين فخاضوا في ضحضاحها الذي بللهم قليلا. وبقطع النظر عن هذا كله فالمسلمون قد جاروا غيرهم واتبعوا سنن من قبلهم شبرا بشبر في طرق