٤. وما قررته الحكومة في سني الجدب من جلب الحبوب وتوزيعها على الأهالي سلفا للقادرين على الوفاء وصدقة على الفقراء من أحسن التدابير لإحياء النفوس ودفع المجاعة ، التي تعقبها غالبا الأمراض الوبائية لاستعداد الأبدان الهزيلة لقبول طلائع جيش الأمراض بسهولة ، لفقدها سلاح الغذاء الكافي الذي تقاوم به هجمات الطبيعة ـ والأمراض المريعة والعدوى السريعة. ولهذا قلت للباحثين على هذا الغرض إن عمران المملكة وعدد السكان أخذا في النمو بعد جيل من الدور الجديد للمملكة للأسباب التي قدمناها ، وربما ظهر النمو ظهورا بينها في الجيل الثاني ومتى تمت غراسة الزيتون وبالأخص في فسيح أراضي الجنوب الصالحة له نمى عدد السكان.
وضروري أن ثروة الأرض وانتشار الأمن من أسباب وفرة العمران ، وارتفاع إحصائيات الإنسان ، وكثرة الحيوان ، وأيام العدل يتوفر فيها عدد السكان. وتنتظم الإدارة وتتولد الحضارة وتحترم الشرائع وتكثر الصنائع ، وتزهر العلوم وتنبت من الأمة الرجال الأكفياء في كل طبقة وجيل. وتستدر الخيرات كما يقبل الناس على الأشغال ، وإتقان الأعمال ، ويبرع أصحاب الفنون وتظهر ثمرات الفكر ونتائج العمل فتؤلف الكتب وتعم الثروة. والدولة هي السياج لهذا البستان الزاهر والعمران الزاخر.
لهذا يعلو كعب الدولة بمثل هذا وينساق لها من الثروة العامة في الأمة الغنى. ويكون لها من الرجال الأكفياء في السيف والقلم الغنى. وهذا ما أخذت فيه المملكة التونسية في عصر الحماية ، فبعد أن كانت ميزانية دخل الدولة سبعة ملايين على عهد دولة أحمد باي في الربع الثالث من القرن ١٣ المنصرم ، وبلغت في دولة الصادق باي في أواخر القرن المذكور أحد عشر مليونا ، صارت اليوم خمسة وثمانين مليونا على ما ضبطه واسع الاطلاع المؤرخ سيدي محمد بن الخوجة في بعض الرحلات الدولية ، وذلك في دولة أميرنا كريم الشيم وواسع الكرم ، مجل أهل العلم والمرموق بعين الرفعة بين الأمم ، سيدنا محمد الناصر باي. فالله مولانا يسعد الأمة بطلعته ويؤيد في الصالح العام رجال دولته.
وعسى أن يزداد العمران وثروة السكان بالنعمة العظمى التي منت بها الدولة على الأهالي ، وهي منحهم إنزال أراضي الأوقاف العامة والخاصة التي بها منازلهم ومستقرهم أبا عن جد ، بمقدار زهيد وبدون إشهار أو مشاركة من ليس له حق معهم