القياس في هذا المثل للتنبيه على تفظيع الشر باتمام الحروف ومدّ الصوت.
والبطان : ـ بكسر الموحّدة ـ الحزام الّذي يجعل تحت بطن البعير ، وفيه حلقتان ، والتقائهما يدل على فرط الهزال ، أو المبالغة في الشدّة ، أو اضطراب البطان عند الاضطرار إلى السير وعدم التمكّن من اصلاحه ، وكلّ هذه أحوال تناسب الشدّة فاستعير التقائهما لها ، كما قال أوس بن حجر :
وازدحمت حلقتا البطان بأقوام |
|
وجاشت نفوسهم جزعا (١) |
وشاع حتّى صارت مثلا.
وإذا كان الأمر على ما ذكر من المنع عن التقاء الساكنين في غير ما ذكر من الصور ، (فإن كان غير ذلك) المذكور لزم : امّا الحذف ، وامّا التحريك ، والأصل فيه أن يقع الحركة على أوّل الساكنين لما سيأتي إنشاء الله تعالى.
والتفصيل : انّهما ان التقيا في غير ذلك (وأوّلهما مدّة) ، فالحركة ثقيلة عليها منافية للتخفيف المطلوب من وضعها على السكون ، ومجانسة حركة ما قبلها لها فاضطروا إلى الحذف ، والساكن الثاني : قد يكون حرفا صحيحا وقد يكون كلمة اخرى جيء بها لمعنى مقصود يفوت بالحذف ضميرا كانت أو غيرها كنون التأكيد الثقيلة ولام التعريف كما ترى في الأمثلة ، ولا شك انّ المدّة أولى بالحذف من جميع ذلك مع شيوع حذفها في كلامهم ، فلذلك (حذفت) المدّة ، وذلك (نحو : خف ، وقل ، وبع) على صيغة الأمر من الأجوف ، وأصلها : تخاف ، وتقول ، وتبيع ، وبعد حذف حرف المضارعة واسكان الآخر بالجزم التقى ساكنان فحذف أوّلهما وهو المدّة ، (وتخشين) ـ للواحدة المخاطبة من الناقص ـ على زنة «تفعين» بفتح العين ، وأصلها : تخشيين ـ
__________________
(١) هذا البيت من قصيدة لأوس يرثي بها فضالة بن كلدة ، ومعناه : اشتدّ الأمر لموته بأقوام كانوا في كنف حمايته واحسانه واضطربت نفوسهم جزعا. فاستعير في هذا البيت «حلقتا البطان» للشدّة والكرب.