وإفرنجيّ أعرق في مذهب الشك من غيره يقول : من المعلوم أنّ محمدا كان دعا أصحابه إلى إلغاء عادات الجاهلية كلّها ، فأئمة الإسلام لأجل أن يؤكّدوا صحة إبطال هذه العادات اخترعوا من عقولهم قصة معناها أنّه كانت تقام بقرب الطائف في الجاهلية سوق يقال لها : سوق عكاظ ، تجري فيها المنافرات والمفاخرات والمساجلات بالشعر. وأنّ محمدا ألغاها! وأنّه يوجد أمارات كثيرة تدل على أن تلفيق قصة عكاظ هذه ، قد تقرّر بين الخليفة والأئمة في زمن المستنصر العباسي أبي جعفر مثلا ، أو في سنة (٦٢٢) للهجرة في أواخر خلافة أبيه الظاهر أبي نصر مثلا ، لأنّه كان قد ظهر في ذلك العهد فقهاء منعوا الحرية الفكرية ، وكانوا بمكان من التعصب الديني! فلا يبعد أن يكون هذا الوضع وقع في ذلك العصر!
وأخيرا تنتهي مسألة عكاظ هذه بأنّه لا وجود لعكاظ أصلا ، وأنّها موضوعة بعد الإسلام بكثير ، وأنّ روايات مؤرّخي العرب عنها هي خيالية ، وأنّ التواطؤ بين فقهاء الإسلام على اختراع قصص لأجل تأييد محّمد قد كان أكثر مما يظنّ ، وأنّ ثمة أسباب تدعونا أن نشتبه في كون الاشتباه الذي يتظاهر به مؤلفو الإسلام أحيانا هو من الاشتباه الذي يدعو إلى الشبهة.
ـ وما ماثل ذلك من التحقيقات أو التحليلات!! التي قراءتها تغني من أصابه تسمم في المعدة عن اتخاذ مقيّء.
ولقائل أن يقول : أهكذا تحقيقات الإفرنج ، وهم الذين بلغوا من العلم والعرفان ما بلغوا؟
فأقول : حاشا أن يؤخذ كلامي هذا على إطلاقه ، فمن الإفرنج العلماء المحققون (١) ، الذين يتنزّهون عن مثل هذه الأقاويل المقيّئة ،
__________________
(١) [مثل مورتيز الذي سيذكره المؤلف ص (٢٧٥)].