الكعبة ، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة ، تألفا لليهود ، ثم حوّل إلى الكعبة ، فيقول : وما جعلنا القبلة التي يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة ، يعني : وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء ، انتهى ما ذكره.
وقد أوضحنا أن التي كنت عليها : هو المفعول الأول. وقيل : هذا بيان لحكمة جعل بيت المقدس قبلة. والمعنى : وما جعلنا متوجهك بيت المقدس إلا لنعلم ، فيكون ذلك على معنى : أن استقبالك بيت المقدس هو أمر عارض ، ليتميز به الثابت على دينه من المرتدّ. وكل واحد من الكعبة وبيت المقدس صالح بأن يوصف بقوله : التي كنت عليها ، لأنه قد كان متوجها إليهما في وقتين. وقيل : التي كنت عليها صفة للقبلة ، وعلى هذا التقدير اختلفوا في المفعول الثاني ، فقيل : تقديره : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة إلا لنعلم. وقيل : التقدير : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة إلا لنعلم. وقيل : ذلك على حذف مضاف ، أي وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم ، ويكون المفعول الثاني على هذا قوله : لنعلم ، كما تقول : ضرب زيد للتأديب ، أي كائن وموجود للتأديب ، أي بسبب التأديب. وعلى كون التي صفة ، يحتمل أن يراد بالقبلة : الكعبة ، ويحتمل أن يراد بيت المقدس ، إذ كل منهما متصف بأنه كان عليه. وقال ابن عباس : القبلة في الآية : الكعبة ، وكنت بمعنى : أنت ، كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) (١) بمعنى : أنتم. انتهى. وهذا من ابن عباس ، إن صح تفسير معنى ، لا تفسير إعراب ، لأنه يؤول إلى زيادة كان الرافعة للاسم والناصبة للخبر ، وهذا لم يذهب إليه أحد. وإنما تفسير الإعراب على هذا التقدير ، ما نقله النحويون ، أن كان تكون بمعنى صار ، ومن صار إلى شيء واتصف به ، صح من حيث المعنى نسبة ذلك الشيء إليه. فإذا قلت : صرت عالما ، صح أن تقول : أنت عالم ، لأنك تخبر عنه بشيء هو فيه. فتفسير ابن عباس : كنت بأنت ، هو من هذا القبيل ، فهو تفسير معنى ، لا تفسير إعراب. وكذلك من صار خير أمّة ، صح أن يقال فيه : أنتم خير أمّة.
(إِلَّا لِنَعْلَمَ) : استثناء مفرّغ من المفعول له ، وفيه حصر السبب ، أي ما سبب تحويل القبلة إلا كذا. وظاهر قوله : لنعلم ، ابتداء العلم ، وليس المعنى على الظاهر ، إذ يستحيل حدوث علم الله تعالى. فأول على حذف مضاف ، أي ليعلم رسولنا والمؤمنون ، وأسند
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١١٠.