تقرّر أن العطف بغير إعادة الجار ثابت من كلام العرب في نثرها ونظمها ، كأن يخرج عطف : والمسجد الحرام ، على الضمير في : به ، أرجح ، بل هو متعين ، لأن وصف الكلام ، وفصاحة التركيب تقتضي ذلك.
وإخراج أهله ، معطوف على المصدر قبله ، وهو مصدر مضاف للمفعول ، التقدير : وإخراجكم أهله ، والضمير في : أهله ، عائد على : المسجد الحرام ، وجعل ، المؤمنين أهله لأنهم القائمون بحقوقه ، أو لأنهم يصيرون أهله في العاقبة ، ولم يجعل المقيمين من الكفار بمكة أهله لأن بقاءهم عارض يزول ، كما قال تعالى : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) (١) و : منه ، متعلق بإخراج ، والضمير في : منه ، عائد على المسجد الحرام ، وقيل : عائد على : سبيل الله ، وهو الإسلام ، والأول أظهر. و : أكبر ، خبر عن المبتدأ الذي هو : وصد ، وما عطف عليه ، ويحتمل أن يكون خبرا عن المجموع ، ويحتمل أن يكون خبرا عنها باعتبار كل واحد واحد ، كما تقول : زيد وعمرو وبكر أفضل من خالد ، نزيد : كل واحد منهم أفضل من خالد ، وهذا هو الظاهر لا المجموع ، وإفراد الخبر لأنه أفعل تفضيل مستعمل : بمن ، الداخلة على المفضول في التقدير ، وتقديره : أكبر من القتال في الشهر الحرام ، فحذف للعلم به.
وقيل : وصد مبتدأ. و : كفر ، معطوف عليه ، وخبرهما محذوف لدلالة خبر : وإخراج ، عليه. والتقدير : وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام أكبر ، ولا يحتاج إلى هذا التقدير لأنا قد بينا كون : أكبر ، خبرا عن الثلاثة.
وعند الله ، منصوب بأكبر ، ولا يراد : بعند ، المكان بل ذلك مجاز.
وذكر ابن عطية ، والسجاوندي عن الفراء أنه قال : وصد عطف على كبير ، قال ابن عطية : وذلك خطأ ، لأن المعنى يسوق إلى أن قوله : وكفر به ، عطف أيضا على كبير ، ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر عند الله ، وهذا بيّن فساده. انتهى كلام ابن عطية ، وليس كما ذكر ، ولا يتعين ما قاله من أن : وكفر به ، عطف على كبير ، إذ يحتمل أن يكون الكلام قد تم عند قوله : وصد عن سبيل الله ، ويكون قد أخبر عن القتال في الشهر الحرام بخبرين. أحدهما : أنه كبير ، والثاني : أنه صد عن سبيل الله ، ثم ابتدأ فقال : والكفر بالله ، وبالمسجد الحرام ، وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتال الذي
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٣٤.