(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي راجعوهنّ قبل انقضاء العدّة ، وفسر المعروف بالإشهاد على الرجعة ، وقيل : بما يجب لها من حق عليه ، قاله بعض العلماء ، وهو قول عمر ، وعلي ، وأبي هريرة ، وابن المسيب ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور ، ويحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، قالوا : الإمساك بمعروف هو أن ينفق عليها ، فإن لم يجد طلقها ، فإذا لم يفعل خرج عن حدّ المعروف ، فيطلق عليه الحاكم من أجل الضرر الذي يلحقها بإقامتها عند من لا يقدر على نفقتها ، حتى قال ابن المسيب : إن ذلك سنة.
وفي (صحيح) البخاري : تقول المرأة إما أن تطعمني ، وإما أن تطلقني! وقال عطاء ، والزهري ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : لا يفرق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلق النفقة بذمته لحكم الحاكم.
والقائلون بالفرقة اختلفوا ، فقال مالك : هي طلقة رجعية لأنها فرقة بعد البناء لم يستكمل بها العدد ، ولا كانت بعوض ، ولا لضرر بالزوج ، فكانت رجعية كضرر المولي. وقال الشافعي : هي طلقة بائنة ، وقيل : بالمعروف من غير طلب ضرار بالمراجعة.
(أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي : خلوهنّ حتى تنقضي عدتها ، وتبين من غير ضرار ، وعبر بالتسريح عن التخلية لأن مآلها إليه ، إذ بانقضاء العدّة حصلت البينونة.
(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) هذا كالتوكيد لقوله تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) نهاهم أن لا يكون الإمساك ضرارا ، وحكمة هذا النهي أن الأمر في قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يحصل بإمساكها مرة بمعروف ، هذا مدلول الأمر ، ولا يتناول سائر الأوقات وجاء النهي ليتناول سائر الأوقات وعمها ، ولينبه على ما كانوا يفعلونه من الرجعة ، ثم الطلاق ، ثم الرجعة ، ثم الطلاق على سبيل الضرار ، فنهى عن هذه الفعلة القبيحة بخصوصها ، تعظيما لهذا المرتكب السيء الذي هو أعظم إيذاء النساء ، حتى تبقى عدتها في ذوات الأشهر تسعة أشهر.
ومعنى : ضرارا ، مضارة وهو مصدر ضار ضرارا ومضارّة ، وفسر بتطويل العدّة ، وسوء العشرة ، وبتضييق النفقة ، وهو أعم من هذا كله ، فكل إمساك لأجل الضرر والعدوان فهو منهي عنه.