من القتال ، وانتصب : قليلا ، على الاستثناء المتصل ، ولا يجوز أن يكون المستثنى منهما ، لو قلت : ضربت القوم إلّا رجالا ، لم يصح ، وصح هذا لاختصاصه بأنه في نفسه صفة لموصوف ، ولتقييده بقوله : منهم ، ولم يبين هنا عدة هذا القليل ، وبينته السنة ، صح أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما سئل عن عدة من كان معه يوم بدر قال : «ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدّة قوم طالوت» ، وهؤلاء القليل ثبتوا على نياتهم السابقة ، واستمرت عزائمهم على قتال أعدائهم.
وقرأ أبيّ : تولوا إلا أن يكون قليل منهم ، وهو استثناء منقطع ، لأن الكون معنى من المعاني ، والمستثنى منهم جثث. وتقول العرب : قام القوم إلّا أن يكون زيد ، وزيدا ، بالرفع والنصب ، فالرفع على أن يكون تامة ، والنصب على أنها ناقصة ، واسمها ضمير مستكن فيها يعود على البعض المفهوم مما قبله ، التقدير : إلّا أن يكون هو ، أي : بعضهم زيدا ، والمعنى قام القوم إلّا كون زيد في القائمين ، ويلزم من انتفاء كونه في القائمين أنه ليس قائما ، فلا فرق من حيث المعنى بين قام القوم إلّا زيدا ، وبين قام القوم إلّا أن يكون زيد أو زيدا.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فيه وعيد وتهديد لمن تقاعد عن القتال بعد أن فرض عليه بسؤاله ورغبته ، وأن الإعراض عما أوجب الله على العبد ظلم ، إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه.
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) قول النبي لهم : إن الله قد بعث ، لا يكون إلّا بوحي ، لأنهم سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتل في سبيل الله ، فأخبر ذلك النبي أن الله قد بعثه ، فيحتمل أن يكون ذلك بسؤال من النبيّ الله أن يبعثه ويحتمل أن يكون ذلك بغير سؤاله ، بل لما علم حاجتهم إليه بعثه.
وقال المفسرون : إنه سأل الله أن يبعث لهم ملكا ، فأتى بعصا وقرن فيه دهن القدس وقيل : الذي يكون ملكا طوله طول هذه العصا ، وقيل : للنبي. أنظر القرن فإذا دخل رجل فنش الدهن الذي هو فيه فهو ملك بني إسرائيل ، فقاسوا أنفسهم بالعصا فلم يكونوا مثلها ، وكان : طالوت سقاء على ماء ، قاله السدي ، أو : دباغا على ما قاله وهب ، أو مكاريا ، وضاع حمار له ، أو حمر لأهله ، فاجتمع بالنبي ليسأله عن ما ضاع له ويدعو الله له ، فبينا هو عنده نش ذلك القرن ، وقاسه النبي بالعصا ، فكان طولها ، فقال له : قرب رأسك فقرّبه ودهنه بدهن القدس ، وقال : أمرني الله أن أملكك على بني إسرائيل. فقال طالوت : أنا؟