الحجج الدالة على نبوّته صلىاللهعليهوسلم. والهدى : الأمر باتباعه ، أو البينات والهدى واحد ، والجمع بينهما توكيد ، وهو ما أبان عن نبوّته وهدى إلى اتباعه. أو البينات : الرجم والحدود وسائر الأحكام ، والهدى : أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ونعته واتباعه. وتتعلق من بمحذوف ، لأنه في موضع الحال أي كائنا من البينات والهدى.
(مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) : الضمير المنصوب في بيناه عائد على الموصول الذي هو ما أنزلنا ، وضمير الصلة محذوف ، أي ما أنزلناه. وقرأ الجمهور : بيناه مطابقة لقوله : أنزلنا. وقرأ طلحة بن مصرّف : بينه : جعله ضمير مفرد غائب ، وهو التفات من ضمير متكلم إلى ضمير غائب. والناس هنا : أهل الكتاب ، والكتاب التوراة والإنجيل ، وقيل : الناس أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، والكتاب : القرآن. والأولى والأظهر : عموم الآية في الكاتمين ، وفي الناس ، وفي الكتاب ؛ وإن نزلت على سبب خاص ، فهي تتناول كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه ونشره ، وذلك مفسر في
قوله صلىاللهعليهوسلم : «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» ، وذلك إذا كان لا يخاف على نفسه في بثه. وقد فهم الصحابة من هذه الآية العموم ، وهم العرب الفصح المرجوع إليهم في فهم القرآن. كما روي عن عثمان وأبي هريرة وغيرهما : لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم. وقد امتنع أبو هريرة من تحديثه ببعض ما يخاف منه فقال : لو بثثته لقطع هذا البلعوم. وظاهر الآية استحقاق اللعنة على من كتم ما أنزل الله ، وإن لم يسأل عنه ، بل يجب التعليم والتبيين ، وإن لم يسألوا ، (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (١). وقال الإمام أبو محمد عليّ بن أحمد بن حزم القرطبي ، فيما سمع منه أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي الحافظ : الحظ لمن آثر العلم وعرف فضله أن يستعمله جهده ويقرئه بقدر طاقته ويحققه ما أمكنه ، بل لو أمكنه أن يهتف به على قوارع طرق المارة ويدعو إليه في شوارع السابلة وينادي عليه في مجامع السيارة ، بل لو تيسر له أن يهب المال لطلابه ويجري الأجور لمقتبسيه ويعظم الأجعال للباحثين عنه ويسني مراتب أهله صابرا في ذلك على المشقة والأذى ، لكان ذلك حظا جزيلا وعملا جيدا وسعدا كريما وإحياء للعلم ، وإلا فقد درس وطمس ولم يبق منه إلا آثار لطيفة وأعلام دائرة. انتهى كلامه.
(أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) : هذه الجملة خبر إن. واستحقوا هذا الأمر
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٨٧.