ويلزمهم من لفظ الآية أنهم مستدعو الحرب والباغون ، إذ هم الآذنون فيها ، وبها ، ويندرج في هذا علمهم بأنه حرب الله ، وتيقنهم لذلك. انتهى كلامه. فيظهر منه ان الباء في : (بِحَرْبٍ) ظرفية. أي : فاذنوا في حرب ، كما تقول أذن في كذا ، ومعناه أنه سوغه ومكن منه.
قال أبو علي : ومن قرأ فآذنوا بالمدّ ، فتقديره : فأعلموا من لم بنته عن ذلك بحرب ، والمفعول محذوف ، وقد ثبت هذا المفعول في قوله تعالى : (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) (١) وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة ، قال : ففي إعلامهم علمهم ، وليس في علمهم إعلامهم غيرهم.
فقراءة المد أرجح ، لأنها أبلغ وآكد.
وقال الطبري : قراءة القصر أرجح لأنها تختص بهم ، وإنما أمروا على قراءة المدّ بإعلام غيرهم ، وقال ابن عطية : والقراءتان عندي سواء ، لأن المخاطب محصور ، لأنه كل من لم يذر ما بقي من الربا ، فإن قيل : فآذنوا ، فقد عمهم الأمر. وإن قيل : فآذنوا ، بالمدّ فالمعنى : أنفسكم ، أو : بعضكم بعضا. وكأن هذه القراءة تقتضي فسحا لهم في الارتياء والتثبت ، فأعلموا نفوسكم هذا ، ثم انظروا في الأرجح لكم : ترك الربا أو الحرب. انتهى.
وروي : أنها لما نزلت قالت ثقيف : لا يد لنا بحرب الله ورسوله.
ومن ، في قوله : من الله ، لابتداء الغاية ، وفيه تهويل عظيم ، إذ الحرب من الله تعالى ومن نبيه صلىاللهعليهوسلم لا يطيقه أحد ، ويحتمل أن تكون للتبعيض على حذف مضاف ، أي : من حروب الله.
قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل بحرب الله ورسوله؟ قلت : كان هذا أبلغ لأن المعنى : فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله. انتهى. وإنما كان أبلغ لأن فيها نصا بأن الحرب من الله لهم ، فالله تعالى هو الذي يحاربهم ، ولو قيل : بحرب الله ، لاحتمل أن تكون الحرب مضافة للفاعل ، فيكون الله هو المحارب لهم ، وأن تكون مضافة للمفعول ، فيكونوا هم المحاربين الله. فكون الله محاربهم أبلغ وأزجر في الموعظة من كونهم محاربين الله.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٩.