يحصل به تنقيص المال ، نبه على طريق حلال في تنمية المال وزيادته ، وأكد في كيفية حفظه ، وبسط في هذه الآية وأمر فيها بعدة أوامر على ما سيأتي بيانه.
وذكر قوله : بدين ، ليعود الضمير عليه في قوله : فاكتبوه ، وإن كان مفهوما من : تداينتم ، أو لإزالة اشتراك : تداين ، فإنه يقال ؛ تداينوا ، أي جازى بعضهم بعضا ، فلما قال : بدين ، دل على غير هذا المعنى. أو للتأكيد ، أو ليدل على أي دين كان صغيرا أو كبيرا ، وعلى أي وجه كان من سلم أو بيع.
(إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ليس هذا الوصف احترازا من أن الدين لا يكون إلى أجل مسمى ، بل لا يقع الدين إلّا إلى أجل مسمى ، فأما الآجال المجهولة فلا تجوز ، والمراد بالمسمى الموقت المعلوم ، نحو التوقيت بالنسبة والأشهر والأيام ، ولو قال : إلى الحصاد ، أو إلى الدياس ، أو رجوع الحاج ، لم يجز لعدم التسمية ، و : إلى أجل ، متعلق : بتداينتم ، أو في موضع الصفة لقوله : بدين ، فيتعلق بمحذوف.
(فَاكْتُبُوهُ) أمر تعالى بكتابته لأن ذلك أوثق وآمن من النسيان ، وأبعد من الجحود.
وظاهر الأمر الوجوب ، وقد قال بعض أهل العلم ، منهم الطبري ، وأهل الظاهر ، وقال الجمهور : هو أمر ندب يحفظ به المال ، وتزال به الريبة ، وفي ذلك حث على الاعتراف به وحفظه ، فإن الكتاب خليفة اللسان ، واللسان خليفة القلب.
وروي عن أبي سعيد الخدري ، وابن زيد ، والشعبي ، وابن جريج أنهم كانوا يرون أن قوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ناسخ لقوله : (فَاكْتُبُوهُ) وقال الربيع وجب بقوله : فاكتبوه ، ثم خفف بقوله : فإن أمن.
(وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وهذا الأمر قيل : على الوجوب على الكفاية كالجهاد ، قال عطاء ، وغيره : يجب على الكاتب أن يكتب على كل حال ، وقال الشعبي ، أيضا : إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب ، وقال السدّي : هو واجب مع الفراغ. واختار الراغب أن الصحيح كون الكتابة فرضا على الكفاية ، وقال : الكتابة فيما بين المتبايعين ، وإن لم تكن واجبة ، فقد تجب على الكتابة إذا أتوه ، كما أن الصلاة النافلة ، وإن لم تكن واجبة على فاعلها ، فقد يجب على العالم تبيينها إذا أتاه مستفت.
ومعنى : بينكم ، أي : بين صاحب الدين والمستدين ، والبائع والمشتري ، والمقرض