وإذا كان الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء ، وإذا كانت مهمته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره ، وإذا كان سوف يواجه من التحديات ، ومن المصاعب والمشكلات ما هو بحجم هذه المهمة الكبرى ، فإن من الطبيعي : أن يعده الله سبحانه إعدادا جيدا لذلك ، وليكن المقصود من قصة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» بعض آثار عظمة الله تعالى ، في عملية تربوية رائعة ، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه ، وليعده لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظره ، وتحمل المشاق والمصاعب والأذايا التي لم يواجهها أحد قبله ، ولا بعده ، حتى لقد قال حسبما نقل «ما أوذي نبي مثلما أوذيت».
وعلى حسب نص السيوطي ، والمناوي ، وغيرهما : «ما أوذي أحد ما أوذيت» (١) ولا سيما إذا عرفنا : أن عمق إدراك هذا النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ـ وهو عقل الكل ، وإمام الكل ـ لأخطار الانحرافات في المجتمعات ، وانعكاساتها العميقة على الأجيال اللاحقة كان من شأنه أن يعصر نفسه ألما من أجلهم ، ويزيد في تأثره وعذاب روحه حتى لقد خاطبه الله تعالى بقوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ)(٢).
وأيضا ، فإنه بالإسراء والمعراج يفتح قلبه وعقله ليكون أرحب من هذا
__________________
(١) راجع : الجامع الصغير ج ٢ ص ١٤٤ وكنوز الحقائق ، هامش الجامع الصغير ج ٢ ص ٨٣.
(٢) الآية ٨ من سورة فاطر.