الكون ، ويمنحه الرؤية الواضحة ، والوعي الأعمق في تعامله مع الأمور ، ومعالجته للمشكلات ، ولا سيما إذا كان لا بد أن يتحمل مسؤولية قيادة الأمة والعالم بأسره.
وكذلك ليصل هذا النبي الأمي إلى درجة الشهود والعيان بالنسبة إلى ما أوحي إليه ، وسمع به عن عظمة ملكوت الله سبحانه ، ولينتقل من مرحلة السماع إلى مرحلة الرؤية والشهود ، ليزيد في المعرفة يقينا ، وفي الإيمان رسوخا.
ثالثا : لقد كان الإنسان ـ ولا سيما العربي آنئذ ـ يعيش في نطاق ضيق ، وذهنية محدودة ، ولا يستطيع أن يتصور أكثر من الأمور الحسية ، أو القريبة من الحس ، التي كانت تحيط به ، أو يلتمس آثارها عن قرب ، وذلك من قبيل الفرس ، والسيف ، والقمر ، والنجوم ، والماء والكلاء ، ونحوها ، ويشعر بالحب ، والبغض والشجاعة وغير ذلك.
فكان ـ والحالة هذه ـ لا بد من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الأرحب ، الذي استخلفه الله فيه ، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه ، ويبعث الطموح فيه للتعرف عليه ، واستكناه أسراره ، وبعد ذلك إحياء الأمل وبث روح جديدة فيه ، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجو الضيق الذي يرى نفسه فيه ، ومن ذلك الواقع المزري ، الذي يعاني منه.
وهذا بالطبع ينسحب على كل أمة ، وكل جيل ، وإلى الأبد.
رابعا : والأهم من ذلك : أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه ، ويدرك بديع صنعه ، وعظيم قدرته ، من أجل أن يثق بنفسه ودينه ، ويطمئن إلى أنه بإيمانه بالله ، إنما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح ،