ويظهر : أن الآية قد نزلت قبل الهجرة إلى الحبشة لوجود ابن مسعود في الرواية ، أو حين بلوغهم أمر الهدنة ، ورجوعهم إلى مكة.
ولكن يبقى إشكال أن ذكر عمر في هذا المقام في غير محله ، حيث لم يكن قد أسلم حينئذ لأنه إنما أسلم قبل الهجرة إلى المدينة بيسير ، كما سنرى.
كما أن الله تعالى : قد وصف نبيه في سورة القلم التي نزلت قبل نزول (عَبَسَ وَتَوَلَّى) بأنه على خلق عظيم ، فإذا كان كذلك ، فكيف يصدر عنه هذا الأمر المنافي للأخلاق ، والموجب للعتاب واللوم منه تعالى لنبيه «صلى الله عليه وآله» ، فهل كان الله ـ والعياذ بالله ـ جاهلا بحقيقة أخلاق نبيه؟ أم أنه يعلم بذلك ، لكنه قال هذا لحكمة ولمصلحة اقتضت ذلك؟ نعوذ بالله من الغواية ، عن طريق الحق والهداية.
رابعا : إن الله تعالى يقول في الآيات : (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) ، وهذا لا يناسب أن يخاطب به النبي «صلى الله عليه وآله» ، لأنه مبعوث لدعوة الناس وتزكيتهم.
وكيف لا يكون ذلك عليه ، مع أنه هو مهمته الأولى والأخيرة ، ولا شيء غيره.
ألم يقل الله تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ..)(١) فكيف يغريه بترك الحرص على تزكية قومه (٢).
__________________
(١) الآية ٢ من سورة الجمعة.
(٢) تنزيه الأنبياء ص ١١٩.