يؤكد امتيازه «عليه السلام» على غيره ، ممن عاش ومارس الأمور.
كما أن اتكال أبي ذر رجل الحكمة والتبصر على دعوة علي «عليه السلام» له ، واستجابته لدعوته ونزوله ضيفا عليه ، يدلّ على أنه كان يرى في علي من الحكمة والروية ما لا يراه في غيره ، مهما كان فارق السن بينه وبين أولئك كبيرا.
ولقد كان «عليه السلام» يهدف إلى الحفاظ على أبي ذر من جهة ، وعلى أن لا يلفت نظر المشركين إلى أنه يقوم بنشاط من أجل إدخال الناس في هذا الدين الجديد من جهة أخرى ، وهذا الثاني هو الأهم بالنسبة إليه ، فإنه لا يمكن أن يتخلى عن الدعوة في سبيل الشخص ، ولكن الشخص هو الذي يضحي بنفسه وبكل ما لديه في سبيل الحفاظ على الدعوة وبقائها ، ولكن هذه التضحية لا بد أن تكون في وقت الحاجة إليها ، وحين يكون لا بد منها ولا غنى عنها ، وإلا فلربما يكون ضررها أكثر من نفعها ، أو على الأقل يكون هدرا لطاقات ، وإتلافا لقدرات ربما تكون الدعوة في يوم ما بأمسّ الحاجة إليها.
ثالثا : ما فعلته قريش بأبي ذر لم يكن بسبب أن المواجهة كانت قد وقعت بينها وبين النبي «صلى الله عليه وآله» ؛ فإن هذه المواجهة لم تكن حصلت حينئذ ، وإنما رأت في تصرف أبي ذر هذا تحديا لها ، واعتداء على شرفها ، وكبريائها ، ولا يقصد منه إلا تحقيرها وإذلالها ، من دون مبرر ظاهر تراه وتتعقله لتصرف كهذا سواه ، ولعلها أرادت من بطشها بهذا الرجل الغريب والوحيد ردع الآخرين ، وإرهابهم ، ومنعهم من الإقبال على الدخول في الإسلام ، أو من التظاهر به.