رابعا : إنتقام أبي ذر من قريش على ذلك النحو قد أثر فيها نفسيا ، وروحيا إلى حد بعيد ، وعرفها :
أنها لا يمكن أن تتعامل مع الآخرين ، كما يحلو لها ، وعلى حسب ما تشتهي ، لأن الآخرين يملكون من الوسائل الفعالة للضغط عليها ما لا تجد معه حيلة ، ولا تستطيع سبيلا.
خامسا : إن نجاح أبي ذر في دعوته قومه من قبيلتي غفار وأسلم ، حتى إنه يستغل تشوقهم للحصول على غرائر الحنطة لطرح الخيار النهائي عليهم ـ إن نجاحه هذا ـ ليدل على أنه كان بعيد الهمة والنظر عاقلا لبيبا أريبا ، يدرك أهداف الرسالة السماوية الحقة التي اعتنقها خير إدراك ، ويدرك واجباته تجاهها ، ثم هو ينفذ مهمته ، ويقوم بواجباته على النحو الأكمل والأمثل.
سادسا : إن محاولات أبي ذر الجادة للتعرف على صدق النبي «صلى الله عليه وآله» في دعواه ، وإرساله أخاه أولا ، ثم ذهابه هو بنفسه ، وبقاءه ثلاثة أيام يبحث عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، إنما كانت بدافع ذاتي ينبع من داخله ، يدفعه إلى البحث عن الحق ، والعمل من أجله ، وفي سبيله.
وهذا يؤيد القول : بأن العقل هو الذي يحكم ويدفع إلى تعلم ما ينفع ، وما يضر ، للالتزام بذاك ، والابتعاد عن هذا. بل هو أمر فطري مغروس في فطرة الإنسان وطبيعته وسجيته ، حتى إنك تجد الطفل الذي يحس بألم النار ليس فقط لا يحاول بعد ذلك الاقتراب منها ، وإنما هو يجهد بكل ما أوتي من قوة وحول في الابتعاد عنها.
سابعا : إن موقف علي «عليه السلام» من أبي ذر ليعكس لنا : أن هذا