من البعيد أن يتركها ليغزو أطراف الجزيرة المتاخمة لحدود الشام في مثل هذه الظروف إلا أن يكون مأمورا بذلك من الله سبحانه» (١).
ونقول :
١ ـ إننا لا نستطيع أن نوافق على ما ذكره العلامة الحسني «رحمهالله» ، لأن ذلك لو كان ، لكان مانعا من التحرك نحو أي من المناطق الأخرى ، قريبة كانت أو بعيدة. فإن كثيرا من الغزوات كان النبي «صلىاللهعليهوآله» يغيب فيها أياما كثيرة. فقد غاب في غزوة بدر الموعد ست عشرة ليلة ، منها ثمانية أيام أقامها في بدر ، والباقي في الطريق ذهابا وإيابا ، وكانت غيبته في ذات الرقاع خمس عشرة ليلة ، وكانت غيبته في غزوة بني المصطلق ثمانية وعشرين يوما.
فقد كان بإمكان الأعداء أن يغتنموا فرصة غيابه للإغارة على المدينة ، بصورة سريعة وخاطفة ، أو احتلالها ، لا سيما مع وجود اليهود والمنافقين ، والمشركين فيها وحولها.
٢ ـ ومن جهة ثانية ، فإن سير الأحداث يعطي : أن الرسول الأكرم «صلىاللهعليهوآله» كانت له أجهزة استخبارات قوية وفاعلة لا يفوتها رصد أية تحركات أو تجمعات مريبة ، بل وحتى المؤامرات والنوايا أحيانا. وقد كانت مبثوثة في مختلف الأنحاء والأرجاء قريبة كانت أو بعيدة كما ألمحنا إليه فيما سبق.
ومن الواضح : أن مهاجمة المدينة في غياب الرسول «صلى الله عليه
__________________
(١) سيرة المصطفى ص ٤٥٧.