ثم نجد عليا أمير المؤمنين «عليهالسلام» خير من يتأسى برسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ويسير على نهجه ، وينسج على منواله. فإنه رغم أنه كان قد أنشأ ـ بكديده ، وبعرق جبينه ـ الكثير من الضياع والبساتين ، لكنه لم يكن يستفيد منها بتحسين وضعه المعيشي ، ولا أحدثت تغييرا في حياته الخاصة ، بل كان يتصدق بها ويوزعها على الفقراء والمحتاجين ، وقد أوقف عامتها على جهات البر المختلفة ، ثم لم يزل يلبس الخشن ، ويأكل الجشب إلى أن توفاه الله سبحانه.
وحسبك ما كتبه لعثمان بن حنيف : يلومه على حضوره وليمة دعي إليها :
قال «عليهالسلام» : «ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ، ويستضيء بنور علمه ، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع ، واجتهاد ، وعفة وسداد. فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة ، ولهي في عيني أوهى وأهون من غصة مقرة» (١).
إلى أن قال : «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز. ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع.
أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرى ، أو أكون كما قال القائل :
__________________
(١) الأتان الدبرة : التي عقر ظهرها فقل أكلها. مقرة : مرة.