ومن الواضح : أنه «صلىاللهعليهوآله» لم يكن لينقض العهد ، ولا يباشر حربا مع أحد إلا إذا اضطرته الظروف وكان مع ذلك لين الطبع كريم النفس ، قد بلغ الغاية من النبل والأخلاق الكريمة ، حتى أنزل الله فيه : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (١).
وبعبارة أخرى : إنه إنما اتخذ هذا الموقف من أجل أن يعيد إلى ذلك الرجل توازنه ، وليفهمه : أن الأمور أعمق وأخطر من أن يتلاعب ويستخف بها قاصرو النظر ، الذين لا يشعرون بالمسؤولية ، ولا يحسنون فهم الأمور.
ونقول :
إن كلام مخشي بن عمرو لا يوحي بأنه كان في مقام الاستهزاء ، غير أن من الواضح : أن هذا الرجل ، كان يسعده أن يرى المسلمين وقد أبيدت خضراؤهم ، وقتلت رجالهم ، وسبيت نساؤهم ، ولعله صدق ما بلغه من ذلك ، ثم فوجئ بعكس ما كان يتوقعه وسمع به. فجاء ليعرف السر في ذلك ، وكأنه كان على قناعة بأن مشركي مكة قادرون على ذلك ، وأن المسلمين على درجة كبيرة من الضعف والوهن في قبال المشركين.
وربما يكون ما جرى في أحد ، الذي لم ينقل إليه ، والى سائر الناس ، في صورته الحقيقية قد عزز هذه القناعة لديه ، لأنه إنما وقف على نتائج حرب أحد ، ولم يعرف ملابساتها ، وأنها لم تكن نتيجة ضعف حقيقي في عزيمة المسلمين ، ولا لتخاذل منهم في ساحة الحرب والجهاد ، وبذل المهج ، وخوض اللجج في سبيل الله سبحانه ، كما أنه لم يكن لأجل قوة متميزة في
__________________
(١) سيرة المصطفى ص ٤٥٥.