وطبيعي ان لا يوافقني على هذا الا من يؤمن بالله وحكمته ، ويقدّره حق قدره ، وأعترف بأنه ليس لدي ضابط عام لهذا القسم ، لأني اهتديت اليه ـ كما قدمت ـ من تجاربي الخاصة (١).
أما الجواب عن السؤال الثاني ، وان الناس هل يشتركون في الغرائز والصفات النفسية .. أما الجواب عن هذا السؤال فانه يستدعي التفصيل ، فان من الصفات النفسية ما يتحقق فيه المشاركة ، كالوجدان والإدراك الذي نميز به بين الحق والباطل ، وبين الخير والشر ، وبين القبح والجمال .. ولو لا هذه المشاركة لما أمكن بحال اثبات الفضيلة والرذيلة ، ولا جاز لنا أن نذم أو نمدح أحدا على فعل أو ترك ، أو نلزم جاحدا بحجة على الإطلاق .. وكذلك غريزة حب الذات ، وعاطفة الأبوة والبنوة ، وما اليها فإنها مشاع بين الجميع ، وان تفاوتت شدة وضعفا.
ومن الصفات النفسية ما يختلف أفراد الإنسان باختلافها ، كالشجاعة والجبن ، والكرم والشح ، والقساوة واللين ، وضعف الارادة وقوتها ، والميل الى الخير ، أو الشر ، فان الناس في هذه الصفات وما اليها متفاوتون متباينون ، فما كل انسان بكريم ، أو بخيل ، أو جبان ، أو شرير ..
وتسأل : ان قولك يخالف الشائع الذائع «ما من شخص إلا وفيه جانبان حسن وغير حسن» وقد ركزت قولك على جانب واحد ، وأغمضت الطرف عن الجانب الآخر؟.
الجواب : ان نفحة الخير التي نراها بعض الحين من الشرير انما جاءت فلتة ، ومن غير تصميم سابق .. على ان هذه القضية ، وهي «ما من شخص إلا وفيه جانبان» انما تصح في حق غير اليهود ، أما في حق اليهود فلا .. لأن كل ما فيهم سيء وقبيح ، ولا جانب فيهم للحسن إطلاقا .. والدليل على ذلك توراتهم
__________________
(١) من غرائب الصدف اني بعد أن كتبت هذه الكلمات قرأت ان القائد العسكري الانكليزي الشهير منتجمري ، وصف نفسه بقوله «انه جندي صغير تحت قيادة قوة جبارة ، وانه لم ينتصر في المعركة ، وانما شاءت الاقدار أن ينتصر ، وانه بغير الايمان بهذه القوة العاقلة الكبرى لا يمكن ان ينتصر في أي ميدان» يشير إلى انتصاره في معركة العلمين الشهيرة الفاصلة في الحرب العالمية الثانية .. فهو يؤمن بأن القوة الخفية ، مهدت له سبيل النصر على روميل الذي كان يسمى ثعلب الصحراء ، وهو أعظم القادة العسكريين إطلاقا آنذاك.