كهؤلاء اليهود الذين رفضوا الاعتراف بمحمد لا لشيء إلا لأنه عربي (١).
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ). يستعمل القرآن الكريم كثيرا لفظ البيع والشراء والتجارة في العمل الصالح والطالح .. ذلك ان الإنسان إذا آمن وعمل صالحا فكأنه قد دفع الثمن لخلاص نفسه ونجاتها وإذا كفر وانحرف لمنفعة عاجلة فكأنه قد باع نفسه للشيطان بأنجس الأثمان .. واشتروا هنا بمعنى باعوا ، أي ان اليهود باعوا أنفسهم للشيطان ، وألقوا بها الى التهلكة ، ولا ثمن لنفوسهم الهالكة إلا الحسد والتعصب للجنسية اليهودية .. ولذا قال سبحانه :
(بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ). أي كفروا بمحمد (ص) لا لشيء إلا لأنهم يريدون أن يحصروا الوحي والفضل فيهم وحدهم ، ولا يقبلون من الله ، ولا من غيره إلا ما يوافق أهواءهم ومنافعهم .. فهم ـ اذن ـ يستحقون عقابين وغضبين : عقابا على كفرهم ، وآخر على أنانيتهم وتعصبهم.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ). أي آمنوا بالوحي من حيث هو وحي بصرف النظر عن شخصية المبلّغ ونسبه ، لأن الرسول ما هو إلا وسيلة للتبليغ ، أما شرطكم للايمان بالوحي أن ينزل على شعب إسرائيل فقط ، وإذا أنزل على غيره فلا تؤمنون به ـ أما هذا الشرط فيكشف عن عدم ايمانكم بالوحي كمبدأ ، بالاضافة الى أنه تحكم على الله وتقييد لإرادته بأهوائكم ، ومعنى هذا انكم تريدون من الله أن يخضع لكم ، وتأبون الخضوع له.
(قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا). وهذا اعتراف صريح بأنهم لا يؤمنون ، ولن يؤمنوا إلا بالوحي على شريطة أن ينزل عليهم ، ولا يؤمنون بما ينزل على غيرهم ، ولو قام عليه ألف دليل ودليل.
(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). ولا إلزام أقوى وأبلغ من الإلزام بهذه الحجة .. أي قل يا محمد لليهود : أنتم كاذبون في زعمكم ودعواكم الايمان بخصوص الوحي المنزل على شعب إسرائيل ، بل أنتم لا تؤمنون
__________________
(١) هذا ما ذكره المفسرون تمشيا مع ظاهر الآية ، ويأتي قريبا عند تفسير الآية ٩٦ بيان السبب الحقيقي لكفرهم بمحمد (ص) وانه المنفعة الخاصة ، والكسب عن طريق الدعارة والغش والربا ، وما إلى هذا مما حرمه الإسلام.