من الضمير في نزله ، وهدى وبشرى معطوفان عليه .. والهمزة في (او كلما) للتوبيخ ، والواو للعطف ، والمعطوف عليه محذوف تقديره أكفرتم بالبينات .. وقيل : بل الواو زائدة ، لأن المعنى مستقيم بدونها ، وكلما منصوب على الظرفية ، واكتسبت هذه الظرفية من (ما) التي هي اسم بمعنى وقت ، كما في مغني اللبيب ، والتقدير كل وقت عاهدوا فيه ، والظرف متعلق بنبذه.
المعنى :
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) .. أي فهو كافر عليه لعنة الله .. وأجمع أهل التفسير على ان سبب نزول هذه الآية ان اليهود سألوا النبي (ص) عن الملك الذي ينزل عليه بالوحي؟. فقال : هو جبريل. قالوا : ذاك عدونا ، لأنه ينزل بالشدة والحروب ، وميكال بالسلام والرخاء ، ولو كان ميكال هو الذي يأتيك بالوحي لآمنا بك.
لقد جعلوا النزاع في ظاهره أولا حول شخصية محمد (ص) ، وانهم يريدون نزول الوحي على واحد من شعب إسرائيل ، لا من شعب العرب ـ كما زعموا ـ ولما ألزمهم الله ونبيه بالحجة حوّلوا النزاع الى شخص جبريل ، لا محمد .. والحقيقة ـ كما قدمنا ـ انه لا نزاع على محمد وجبريل ، ولا عرب وعروبة ، ولا يهود ويهودية ، لا شيء أبدا الا مصالحهم الذاتية .. الا الدعارة والخمر والربا والاحتكار .. ولكنهم ينافقون ، ويتسترون بالأكاذيب والأباطيل.
ومن باب النقاش والإلزام بالحجة قال سبحانه : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ). أي ان عداوتكم لجبريل لا وجه لها ، لأنه مجرد أداة وواسطة لتبليغ الوحي من الله الى محمد .. وهذا الوحي يشتمل على تصديق ما تضمنته توراتكم من صفات محمد وعلامات نبوته ، وفي الوقت نفسه هو هدى وبشرى للمؤمنين ، وعليه يكون معنى عدائكم لجبريل عداء لله وللوحي وللتوراة ، ولهدى الله لخلقه ، وبشراه للمؤمنين.
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ). أي ان ما أتى به محمد (ص) لا يقبل الشك بعد ان اقترن بالحجج والبراهين ، ولا ينكره