الأول : ان تنسخ الآية تلاوة وحكما بحيث يرتفع لفظها وحكمها.
الثاني : ان تنسخ تلاوة لا حكما ، أي يرتفع لفظها ، ويبقى حكمها.
الثالث : ان تنسخ حكما لا تلاوة ، أي تتلى ، ولكن لا يؤخذ بظاهرها بعد النسخ ، والعمل بعض الوقت.
والقسم الأول والثاني لا وجود لهما ، لأنهما يستلزمان النقصان وتحريف القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. والقسم الثالث هو الجائز والثابت أيضا ، وعليه أكثر المسلمين ، وجمهور المفسرين ، وفيه كتب خاصة ، وفي أيامنا صدر كتاب ضخم باسم «الناسخ والمنسوخ» للدكتور مصطفى زيد المصري.
وتجمل الاشارة إلى ان الحكم الشرعي إذا ثبت بالطريق الصحيح فلا يجوز نسخه إلا بآية قرآنية ، أو بسنة متواترة .. ذلك ان النسخ من الأمور العظيمة الهامة ، وكل ما كان كذلك لا يثبت بأخبار الآحاد ، لأن كل مهم لا بد ان ينتشر ويشتهر على الألسن بحكم العادة ، فإذا نقل الحادث العظيم فرد واحد ، او أكثر دون أن يبلغ النقل حد التواتر كان ذلك دليلا على كذب الناقل .. ا لا ترى ان موت الرجل الشهير ينقله أكثر الناس ، وكذلك الثورات والانقلابات أما موت الرجل العادي فلا يعرفه إلا بعض الجيران والأرحام. والتفصيل في علم الأصول.
المعنى :
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها). قال كثير من المفسرين : ان اليهود قالوا : ان محمدا يأمر أصحابه بأمر ، ثم ينهاهم عنه ، ويقول اليوم قولا ، وغدا يرجع عنه ، ولو كان ما يقوله وحيا لما كان فيه هذا التناقض ، فنزلت هذه الآية ردا عليهم.
والمراد آية من آي الذكر الحكيم ، لأن هذا المعنى هو المتبادر الى الافهام هنا ، ونقل الشيخ المراغي في تفسيره عن استاذه الشيخ محمد عبده ان المراد بالآية المعجزة الدالة على نبوة النبي ، وان المعنى ان الله يعطي معجزة لنبي من الأنبياء ، ثم يتركها كلية ، ويعطي غيرها لنبي آخر .. وهذا المعنى صحيح في