جعل الجبل ذهبا ، والصحراء الجرداء رياضا فهذا مجرد معاندة ومكابرة ، فلا تكونوا أيها المسلمون من المكابرين المعاندين.
(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ). ان كل من يقف من الحق موقفا مجردا ، ويطلب الدليل المعقول على إثباته فهو مؤمن بالحق ، كمبدأ ، وكل من يقف من الحق موقف المكابر المتعنت ، ويطلب فوق المعقول ، وأكثر مما يستدعيه الاستدلال والإثبات فهو كافر بالحق .. ومن لم يثق بما جاء به محمد (ص) ، وطلب الزيادة فقد اختار العناد على الانصاف ، والكفر على الايمان.
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ). كل انسان يود أن يكون الناس ، كل الناس على دينه ، قال أحد الفلاسفة : ان أسعد يوم عندي أن أرى من يوافقني على رأيي .. ولكن جماعة من اليهود كانوا يبذلون جهودا كبيرة لفتنة المسلمين ، وارتدادهم عن دينهم الى الجاهلية الأولى ، لا لشيء إلا بغيا وحسدا ، مع العلم انهم يستطيعون الإسلام كما فعل غيرهم ، ولكنهم خافوا على أسواقهم وأرباحهم من الخمر والميسر والدعارة.
وقد استغل اليهود انكسار المسلمين يوم أحد للدس على النبي ، فقد جاء في الأخبار انهم بعد وقعة أحد كانوا يدعون شباب المسلمين الى بيوتهم ، ويقدمون لهم الخمر ، ويغرونهم ببناتهم ، كما يفعلون اليوم ، وفي كل يوم ، ثم يشككون المسلمين بالقرآن ونبوة الرسول الأعظم (ص). وأحس النبي بهذا التدبير الرهيب ، فنهى عن مجالس اللهو ، وشدد النكير على من يتعاطى الزنا والخمر والميسر ولحم الخنزير ، فامتنع المسلمون عن الذهاب الى بيوت اليهود التي فتحوها لهذه الغاية .. وهي المسماة اليوم بالبار والكازينو.
(مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ). أي ان اليهود قد حاولوا إرجاع المسلمين الى الكفر والضلال على علم منهم ان الإسلام هو الحق ، وان الشرك وانكار نبوة محمد هو الباطل ، ولا يختص هذا باليهود ، فان أكثر الناس تجحد الحق وتعانده ، لا لشيء الا لأنه لا يتفق مع مطامعهم ، فان الإنسان مسير بوحي من عاطفته ومنافعه ، لا بوحي من دينه وعقله ، قال أمير المؤمنين (ع) : أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.