في رجل يجني في غير الحرم ، ثم يلجأ الى الحرم قال : لا يقام عليه الحد ، ولا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يكلم ، فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج ، فيقام عليه الحد ، وان جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم ، لأنه لم ير للحرم حرمة».
وقال أبو حنيفة : لا يجوز قتل من التجأ الى الحرم ، واستدل بقوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً).
(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى). واتخذوا بكسر الخاء ، وهو أمر بالصلاة في مقام ابراهيم ، لأن معنى مصلى مكان الصلاة .. وقد أجمع الفقهاء على أنه يستحب الإتيان بركعتي الطواف فيه مع الإمكان ، والمفهوم من مقام ابراهيم المقام المعروف الموجود الآن في المسجد ، أما قول من قال : ان المراد به المسجد بكامله فيحتاج الى دليل.
(وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). أن في قوله تعالى : (أَنْ طَهِّرا) مفسرة لعهدنا ، فهي بمعنى أي ، ولا محل لها من الاعراب ، والمعنى وصينا ابراهيم وإسماعيل بأن يحترما البيت ، ويبعدا عنه كل ما لا يليق به من الأصنام والنجاسات والأوساخ واللغو والرفث والفسوق والجدال ، ونحو هذه ، وأن يأمرا الناس بذلك ، و (لِلطَّائِفِينَ) الذين يدورون حول البيت ، و (الْعاكِفِينَ) أو المعتكفين من أقاموا في المسجد ولازموه ، أو جاوروه للعبادة ، و (الرُّكَّعِ السُّجُودِ) هم المصلون ، جمع راكع وساجد.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً). هذا دعاء ورجاء من ابراهيم الى الله أن يجعل مكة المكرمة من الأمكنة الآمنة ، أي يأمن أهلها من الغزاة والجبابرة ، ومن الزلازل والعواصف ، ونحو ذلك .. وقال جماعة من المفسرين : ان الله قد استجاب دعاء ابراهيم ، حيث لم يقصد أحد مكة بسوء إلا قصم الله ظهره ، ومن تعدى عليها لم يطل زمن تعديه.
(وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). لما بنى ابراهيم البيت في أرض مقفرة لا ماء فيها ولا كلأ دعا الله سبحانه لهذه الأرض بالأمن والأمان ، وبأن تجبى اليها الأرزاق ، ولم يعين نوعها ، ولا أرضها ، إذ المهم وصول الرزق كيف كان ، ومن أين كان .. وقد استجاب الله دعوة ابراهيم ،