ثم ان الصبر لا يحمد لذاته ، ومن حيث هو ، وانما يحمد ويحسن إذا كان وسيلة لغاية نبيلة ، كالصبر في الجهاد المقدس ، والصبر على الفقر والعوز من أجل العلم وتحصيله ، والصبر على المكاره من أجل العيال. وتربية الأطفال ، أو لاغاثة ملهوف ، والصبر على كلمة من سفيه دفعا للشر ، أو على فقد عزيز لا يرده الجزع والهلع ، بل يزداد المصاب تفاقما ، قال أمير المؤمنين (ع) : من عظّم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها ، اي ان تفاقم الجزع يوقع الرجل المصاب في ما هو أشد وأعظم .. وقيل لبزرجمهر : ما لك أيها الحكيم لا تأسف على ما فات ، ولا تفرح بما هو آت؟ .. فقال : ان الفائت لا يتلافى بالعبرة ، والآتي لا يستدام بالحبرة .. وقال آخر : لا أقول لشيء كان ليته لم يكن ، ولا لشيء لم يكن ليته كان ..
وقد يكون الصبر قبيحا مذموما ، كالصبر على الجوع مع القدرة على العمل ، وعلى الاضطهاد .. ففي هذه الحال يحسن الصبر في كفاح الظالم ونضاله.
وتسأل : ما هي المناسبة بين الصلاة والصبر ، حتى قرنا معا في آية واحدة؟. الجواب : ان معنى الصبر توطين النفس على احتمال المكاره ، ويحتاج هذا الى الثقة بالله ، والايمان بأنه «مع الصابرين» .. وليس من شك ان الصلاة تؤكد هذه الثقة ، وتثبت هذا الايمان .. بالاضافة الى ان مناجاة الله سبحانه تخفف من وطأة المصاب.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ ، وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ). ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). ومعلوم ان كل من يفارق هذه الحياة يرجع الى ربه لا محالة صالحا كان أو طالحا ، شهيدا أو غير شهيد ، سوى ان الصالح ينتقل من حياة أدنى الى حياة أعلى ، والطالح بالعكس .. وخص الشهيد بالذكر اما للتنبيه على مكانته عند الله ترغيبا في الاستشهاد ، واما لما نقل عن ابن عباس من ان الآية نزلت فيمن قتلوا يوم بدر ، وهم ١٤ من المهاجرين ، و ٨ من الأنصار ، فقيل مات فلان وفلان ، فنزلت الآية : ولا تقولوا الخ .. وهذا غير بعيد ، لأنّ لا تقولوا أموات ، تشعر بذلك.
ومهما يكن ، فان الذي يجب أن نؤمن به هو ان من استشهد دفاعا عن