(وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ). أي ان من ينتهك حرمات الله يقتص منه ، ويعامل بمثل فعله ، وهذا أصل عام يقطع كل عذر يتذرع به من ينتهك الحرمات ، فمن استباح دماء الناس وأموالهم وأعراضهم استبيح منه ما استباح هو منهم .. ان حرمة الإنسان من حرمة الله الا ان ينتهك حرمة غيره ، فعندها يأتي الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه. وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ). فشرط العقوبة أن تكون مماثلة لجناية المعتدي دون زيادة أو نقصان ، وهذا هو القصاص في حقيقته.
وتسأل : ان من يبتدئ بالعدوان فهو معتد بلا ريب ، أما من يقتص من المعتدي ويقابله بمثل فعله فلا يكون معتديا ، اذن ، فما هو الوجه لقوله تعالى : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)؟.
الجواب : ليس المراد بالاعتداء الاعتداء على حقيقته ، بل المراد به جزاء الاعتداء والمقابلة بالمثل كما وكيفا بلا حيف وظلم ، ومثله قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ). الإنفاق في سبيله تعالى يشمل المصالح العامة ، كالمدارس والمصحات ودور الأيتام ، والجهاد ، والصدقات على الفقراء والمساكين ، والإنفاق على الأهل والأولاد والعيال ، وأفضل موارد الإنفاق ما فيه إعزاز للدين وانتشاره ، واحقاق للحق ، وإبطال للباطل.
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). عبّر سبحانه بالأيدي عن الأنفس .. ولو نظرنا الى هذه الجملة مستقلة عن السياق لكان المعنى ان الإنسان لا يجوز له أن يقدم على ما يعود عليه بالضرر المحض دون أن يترتب على اقدامه أية منفعة عامة ، أما إذا راعينا سياق الكلام ، ومجيء قوله تعالى : (لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بعد قوله : (أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ـ أما إذا راعينا ذلك فيكون المعنى أنفقوا من أموالكم إنفاقا لا تقتير فيه ، ولا إسراف ، لأن كلا منهما يؤدي الى التهلكة ، فالآية على هذا تجري مجرى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) ـ الفرقان ٦٧.
وقيل : ان معنى لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة بترك جهاد أعداء الدين ، وبذل